اسمي “مواطن مغربي”، أبحث عن ابنتي اسمها “خلية عشاق الجامعة” والتي تغيبت عن الساحة الجامعية منذ عدة سنوات بحيث زاغت عن الطريق بعد عودتها من المؤتمر إلى الحرم الجامعي. فمن عثر عليها أو تعرف على مكان وجودها فالمرجو أن يتصل بنا والله لا يضيع أجر المحسنين. وإن كانت هي تسمعني فإني أقول لك يا ابنتي: عودي إلينا، لقد اشتقنا إليك، فالأساتذة أصحاب الضمائر الحية يسألون عنك، ولا تتصوري كم هم في حاجة إليك في زمن “النفوذ” و”قطاع الطريق” و”الضجيج” و”الخراب”. كما أن جدك “الوطن” يا ابنتي حزين عليك. فهو أيضا محتاج إليك وكل يوم يسألني عنك. في أحد الأيام يا ابنتي وهو يتقطع حزنا ويبكي أمامي كالطفل قال لي: لم أعد أرى الحياة إلا بعين واحدة، عين “الرسميين” و”الإداريين” و”المتهافتين” و”التافهين”. فأين هي عين “المكافحين” و”المناضلين” و”المفكرين المبدعين” والعاشقين لي بدون أن يكون لهم منصب رسمي ولا طمع مادي..؟!
لم أجد جوابا مقنعا، أو على الأقل جوابا يرضي الضمير يا ابنتي. فأسئلة جدك “الوطن” أصبحت تحرجني وتنـزل علي كالسهام. لقد تحجر لساني وتجمدت الدموع في عيوني ولم أعد أقدر على الحركة والمغامرة. لقد تعبت كثيرا يا ابنتي ولم يعد لي سوى هذا “القلم” الذي يسبب لي متاعب كثيرة وكل يوم يخلق لي أعداء جددا. تصوري يا ابنتي حتى أصدقائي المقربين ومقابل “سفرية” واحدة سخيفة، بدأوا يلومونني عن مقالاتي التي تصب في مصلحتهم ومصلحة هذا الوطن، حتى ارتفع عدد “السفريات” إلى أرقام كلفت الجامعة ميزانيات كبيرة.
الناس يا ابنتي غيرت جلدها. مناضلو الأمس يُحارَبون من طرف الأساتذة اليوم، ومناضلو اليوم ليست لهم أهداف واضحة ولا طريقا مرسوما، كلهم مع “الإصلاح”، وهل يمكن يا ابنتي أن ينجح “إصلاح” بدون وجود مصلحين؟ لقد تبعثر كل شيء واختلطت الأوراق على أبيك يا ابنتي.
أرجوك عودي وسنصلح الأمور، سيتحد الأساتذة وسوف لن يغرينا أحد بـ “المهمات” الفارغة و”السفريات” التافهة والتي لا تقدم لجدك “الوطن” شيئا ملموسا، بل في كثير من الأحيان لا تقدم له سوى الخزي والعار، سأحكي لك كل شيء عن هذا الخزي وهذا العار عند عودتك الميمونة يا ابنتي!!!
لقد بحثت عنك في كل مكان، في عين كل أستاذ، وفي عقل كل مفكر، وفي مقالات كل باحث، وعلى أعمدت كل الصحف، وفي أعمال كل مبدع، وفي صوت كل مجدد، وفي اقتراحات كل ناقذ، وفي ضجيج كل مدرج، وفي حلقيات كل الساحات الجامعية فلم أجدك! عودي فإخواتك عازمون على أن يتركوا حساسياتهم وأنانياتهم جانبا، ويهتموا بجدك “الوطن”. وسيعودوا إلى “حلف الفضول” الذي كان يحمي المظلومين قبل ظهور الإسلام والذي كان الرسول (ص) عضوا فيه، والذي قال فيه بعد الإسلام لو قام “حلف الفضول” من جديد لكنت عضوا فيه.
عودي يا ابنتي، فإننا سنتعامل في ما بيننا كمغاربة ننتمي لهذا الوطن العريق، وسنعارض باستماتة كبيرة كل من يسيء لهذا الوطن، وسنساعد بكل إخلاص كل مفكر وكل مبدع وكل مجتهد. ولتعلمي جيدا يا ابنتي أن حارتك القديمة والبلد كله في أمس الحاجة لكل هذا.
أرجوك…أرجوك…أرجوك عودي ولا تتأخري وإلا فلن تجديني يا ابنتي، لأن حب الأوطان له ضرائب لابد من تأديتها، فاسرعي قبل فوات الأوان،
ولا قدر الله إذا لم تجديني يا ابنتي، فستجدين فوق باب منـزلنا القديم بالحارة العتيقة “قلمي”، خذيه واكتبي مقالات في أكبر عدد من الصحف المحلية والجهوية والوطنية، وكوني صادقة فيما تكتبين. فرغم أن هذا العمل يبدو صغيرا وتافها، فلا تتصوري يا ابنتي كيف يكون وقعه كبيرا ومؤثرا على المتاجرين بالكلمات وبمستقبل الطلبة والبلاد والعباد، وعلى أعداء جدك الحنون “الوطن”.
من كتاب “شطحات جامعية” لكاتبه عبد الوهاب إيد الحاج