يشهد الأطفال كما هو شأننا كذلك كل هذه الجلبة حول رأس السنة الميلادية، بتوديع واحدة واستقبال أخرى، وبإتمام الأرض دورة كاملة حول الشمس على أن هذا الأمر لا يستدعي هذا القدر من الصخب. لدينا على الأقل أما للغرب فالأمر مرتبط عندهم بعقائد مسيحية تخص هذه الفترة، وهذا مرد الجدال الذي نشهده كل سنة عند حلول هذا الوقت ما يجعل أطفالنا بمواجهة فوضى هوياتية عسيرة.
إن أبناءنا يتساءلون بصمت وبجهر أحيانا عن هذه المرجعية الدينية لرأس السنة الميلادية، بل إن بعض الكبار يحتفلون ولا يعرفون السبب والقصة، وهذه ليست قضيتنا ما دام لهم دينهم ولنا ديننا كما أننا لا نستطيع عزل أنفسنا تماما عن الجدال هذا، فنحن في النهاية جزء من العالم يؤثر فينا ونؤثر به، ولا شك أن الصغار لن يعذرونا في رغبتهم في الاحتفال بتوديع السنة واستقبال الجديدة، لذا يمكننا تغيير وجهة القطار ما لم نستطع إيقافه، إن البدايات متعددة ومتجددة فنحن في كل وقت نكون أمام بداية ما، بداية يوم أو شهر أو موسم أو سفر أو كتاب بل وحياة، حيث إن البدء والزوال سنة كونية صلبة نعاينها كل لحظة في الطبيعة وفي أنفسنا، لذلك يبدو الأمر مبالغا فيه وفيه من السطحية ما فيه إذا نحن انتظرنا من سنة لسنة لنعي هذا.
يبدو بذلك من المهم أن نتذكر بتعاقبهما الأمور المهمة ونذكر بها صغارنا بحيث نقدس الوقت ونحرص على حسن إنفاقه فما أفلح البخلاء المقترين بالوقت، ثم نعتني بتبني سلوكيات يومية تضمن لنا عيشا هنيئا ويشمل ذلك بناء علاقة روحية متينة مع الخالق متحضرين أن الحياة مجرد ممر، وكذا الإقبال على القراءة والرياضة والانفتاح على المعارف والمهارات والاعتناء بالهندام والنظافة وحسن بر الوالدين وحسن الجوار والعشرة والمعاملة.
كما يجب أن نتوقف مع أطفالنا لاستغلال البدايات في تجديد الهمم، وفي التنظيم والتخطيط للمستقبل والضبط والتقويم والاستدراك وتحدي الذات واعلاء سقف الطموح دون جموح، كما يتوجب أن نمرر إليهم خصال تقدير العطايا من وقت وصحة وأسرة ودين وأمن، واحترام هذه العناصر إضافة لاحترام الطبيعة والمجتمع وكل ما يدب من الكائنات، ثم من المهم تذكيرهم بضرور اقتناص الفرص لترك أثر والانهماك في الإعمار و الاستخلاف دون استخفاف. فهيرقليطس يكثف القضية لما قال : لا يمكنني السباحة في النهر مرتين، فعندما أعود إليه يكون النهر قد تغير وأنا كذلك.