لم يعد غريبا أن يلتزم البعض الصمت اتجاه القضايا المصيرية التي تخص المجتمع وتؤرقه… أن يتجنب التعليق وإبداء الرأي، ثم يبهرك ببراعته قي اقتحام خصوصية الآخر وتوزيع صكوك القيم وإطلاق الأحكام…
ثم ماذا لو كان هذا الآخر “امرأة”؟، تلك التي تُعتبر شؤونها علكة تلوك بها الأفواه، وخصوصياتها وجبة دسمة تنصهر فوقها الأصوات والأراء والأصداء.
فيكفي أن تخطو خطوة… أن تتفوه بكلمة أو تتخذ قرارا واحدا… حتى يهتز العالم بأسره، ويكفي أن تتراءى أمامه فقط، ليحظى بحق التدخل والأمر والنهي… ووضعها في فوهة المدفع عرضة لهجوم شرس يستهدف شكلها، لباسها، مكياجها، عطورها… وقلما يناقش أراءها، أفكارها وإنجازاتها… هجوم يستند على خلفيات سوسيوثقافية مختلة التوازن لا ترى في المرأة سوى الجسد ولا يربكها سوى الجسد ولا يؤرقها سواه.
قضية نهيلة بنزينة، أزاحت الغبار وأماطت اللثام عن الواقع الأليم، وحقيقته المرعبة! تلك التي يمتلك فيها الملايين حق الحساب والعقاب، وحق التحريم والتجريم، وحق إعطاء الحق ونزعه… يتجاوز فيها العديد حدوده الإنسانية وينغمس دون قيد أو شرط في حياة الآخر (أو بالأحرى حياة الأخرى)، ثم يتحدث بكل ثقة من منطلق التعاليم الدينية والقيم والأخلاق… متناسيا أن “مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ”١، وأن “مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ” ٢.
ظهور نهيلة، اللاعبة المفعمة بالنشاط، الذي أنسى العالم تألقها، دورها، وأداءها خلال المباراة… وسلط من خلاله الجميع -دون تعميم- الضوء على شكلها وغطاء رأسها!، أكد وبالملموس أن المرأة في مجتمعاتنا لا تزال وإلى حدود اليوم سجينة لعنة الجسد..!
فما شعور الشابة العشرينية، التي تحلم بنقش إسمها في سماء الرياضة، اليوم، بعد موجة التنمر والاستهزاء والافتاء التي لحقتها دون ذنب؟ ما شعورها وهي التي تبنت حلما صغيرا وقررت تحقيقه متشبثة بلباسها، بحجابها وقناعاتها؟!، ثم كيف يشعر المنتمرون وشيوخ الفايسبوك، وقد دسّوا سمومهم في روح الفتاة وأقضوا مضجعها بسواد تعليقاتهم؟!
١: رَوَاهُ أبي هريرة
٢: رَوَاهُ الترميذي