عبد الصمد بن شريف: مهرجان شفشاون للشعر المغربي الحديث التزام ثقافي لاستمرار جذوة الشعر
عبد الصمد بن شريف/ صحافي وكاتب
أن يصمد ويقاوم مهرجان أكثر من ستة عقود .فتلك الشهادة على أن المجال والانسان والتاريخ عوامل أساسية ساهمت في ترسيخ وتكرس هذا الملتقى فضاء لتلاقح والتقاء وتماس تجارب وأجيال في واحة الشعر و لتقاطع وتحاور مقاربات رصينة ومتنوعة في مجال النقد .
ليس هناك أدنى شك في أن جمعية أصدقاء المعتمد بمدينة شفشاون جاهدت وكافحت وكابدت وأبدعت في هندسة أشكال المقاومة لإثبات الذات . في زمن كادت فيه ظواهر الخواء والضمور والتصحر والعقم والتفاهة والتبخيس والتيئيس، أن تهيمن على الإنسان والمجال والخيال .وأن تقود هذه الجمعية سفينة التحدي إلى أبعد مدى .وتقطع المسافات الطويلة وصولا إلى الدورة 35″ للمهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث الذي اختارت له شعار “تأويل النص” فتلك حجة دامغة ودليل قوي ،على أن المعتمد الذي جعل حياته كلها قصيدة شعرية تنضح روعة وبهاء كما هي روعة وبهاء مدينة اشبيلية .يحق له أن يطمئن ويرتاح ،دون أن يداخله خوف على استمرار جذوة الشعر وتوهج القصيدة وجموح الخيال واشتعال اللغة وتجددها .
هذا الالتزام الثقافي الذي طوقت به جمعية المعتمد ″ أعضاءها عبر مختلف الأجيال ، يعكس عمق الإيمان وقوة الإرادة وصلابة العزيمة لترسيخ وتأصيل ممارسة ثقافية متميزة في بعدها الإبداعي وإشعاعها الوطني والعربي ، سعيا للارتقاء بالذوق العام وتجويده ومنح الشعر المكانة التي يستحقها والاحتفاء بالشعراء نساء ورجالا وأجيالا .
وإذا جعلت جمعية المعتمد من ثقافة التكريم والعرفان والاعتراف تقليدا وسنة في شتى دورات مهرجانها. فإنه يتعين علينا أن نغدق عليها ما تستحقه من عبارات الشكر والثناء. وأيضا العرفان والتقدير. وهذه الصيغة هي أيضا شكل من أشكال التكريم.
وإذا كان التكريم ينطوي على معنى إعطاء الإنسان الكرامة اللائقة به ككائن حي تمييزاً له عن غيره، فالعبرة منه هو تحفيز ومكافأة وتشجيع للشخص أو الكائن المكرم. وقوة معنوية تضخ في الشخص المكرم لمزيد من العطاء ولمزيد من البذل ولمزيد من المحافظة على الصفة أو الخاصية المكرم من أجلها.
تأسيسا على ذلك يمثل التكريم صفة وسجية مميزة ترتبط بقيم سامية وأهداف نبيلة.
كما أن التكريم للأعمال أو الأشخاص المتميزين أو المبدعين في مجالاتهم هو عامل محفز ودافع إيجابي هادف من اجل المزيد من الإبداع والتميز.
علاوة على أن التكريم وإن كان رمزياً في شكله فإن دلالته قوية وعميقة في قيمتها نفسيا وإنسانيا واجتماعيا وثقافيا .
إن أي شخص يحظى بتكريم ما في أي مجال .أو يستحق هذا التكريم. لابد أن يحرص على ترصيده وتثمينه ليستفيد منه في البناء عليه والاضافة إليه .
وبالنسبة لي شخصياً، فإن تكريمي من طرف جمعية المعتمد بمدينة شفشاون. محطة ومناسبة غالية لا يمكن إلا أن تبقى راسخة في العقل والقلب. وحاضرة بقوة في مساري المهني. الذي أسعى دائما لكي يكون ناجعا ومفيدا ومقعنا. فشكرا لجمعية المعتمد على نبلها وعلى هذه الالتفاتة التي أتمنى أن أكون جديرا بها .
وبدون تردد يمكن أن أجزم أن هناك عدة أوجه تشابه ومساحات تقاطع بين ما تقوم به جمعية المعتمد وبين ما تضطلع به القناة الثقافية من أدوار .فما تنتده هذه القناة من برامج في مجالات مختلفة يمكن وصفه ودون أدنى مبالغة بنوع من «الجهاد المهني»، الذي انخرط فيه جميع العاملين والأطقم. ورغم ما قد يتطلبه السياق، من تضحيات وتحديات، فإن الانتصار لثقافة الاعتراف والتقدير والتثمين والتشجيع، كان اختيارا أساسيا لارجعة فيه ليتحول إلى عامل تحفيز معنوي وإلى ما يشبه البطارية التي تشحن الطاقة كي تتجدد وتستمر في الاشتغال والإنتاج والاجتهاد والإبداع،علما أن المنطلق والقناعة التي ترسخت لدي منذ توليت إدارة القناة الثقافية،هو العمل على تطويرها والسعي وفق ما هو متاح من شروط وإمكانيات ووسائل، لتتفاعل أكثر مع محيطها، وتصبح تدريجيا رافعة للإعلام الثقافي العمومي. لكن تحقيق هذه الأهداف رهين بتوفر الإمكانيات اللازمة.
وللتوضيح تنتج القناة الثقافية حوالي 18 برنامجا داخليا بإمكانيات بشرية وتقنية محدودة. ولتحقيق هذا الهدف، فإن الأمر تطلب ويتطلب اشتغالا متواصلا على أكثر من مستوى، ومواكبة مستمرة واستعدادا نفسيا وذهنيا لابد منه، للتغلب على مختلف الصعوبات، وتذليل العوائق التي قد تؤثر سلبا على معنويات العاملات والعاملين داخل القناة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه مهما كانت درجة القدرات الفكرية والمهنية والخلفية الثقافية والتجربة والرأسمال الرمزي لأي شخص يدير القناة عالية وغنية، فإنه لا يستطيع أن يحقق ما قد ينتظره الجمهور، لأن تدبير مؤسسة إعلامية عمومية والسعي لإكسابها إشعاعا ومكانة تليق بالمجهودات المهنية التي يبذلها العاملون، يحتاج إلى بنية متكاملة ومتعاونة من المسؤولين والمساعدين، وإلى إمكانيات ومقومات تقنية وفنية ولوجستيكية، وفضاءات عمل مساعدة على الخلق والابتكار والتميز .
وكمدير ،طلبت من كل العاملات والعاملين تكثيف الجهود، وتعبئة الطاقات والإرادات وشحذ الهمم لتنزيل جزء من خارطة الطريق التي سبق أن أشرت إليها في أكثر من مناسبة ، وذلك عبر مواكبة ما تحفل به الساحة الثقافية والإبداعية من أنشطة ومستجدات، والاجتهاد في تطوير وتجويد البرامج الوثائقية والحوارية ، وتقديم مجلات ولقاءات خاصة عندما تقتضي الضرورة ويفرضها السياق. وللأمانة كان هناك تجاوب كبير وحماس منقطع النظير. علما أنني حرصت منذ البداية، على أن أتعامل مع مختلف العاملين كأفراد أسرة واحدة، بما يذكي فيهم حماسا لا تخمد شعلته، ويزرع ثقة تعزز وتقوي المناعة المهنية، والغاية السامية والمقصد النبيل، هو أن نجعل من القناة -على الأقل – مرآة عاكسة لجزء من المشهد الثقافي والفكري والإبداعي المغربي.
تأسيسا على ذلك، وضعنا خطة متكاملة انخرط فيها الجميع لتسويق القناة وتثبيت حضورها في وسائل الاعلام ولدى الجمهور.
من المؤكد أن الشأن الثقافي ،لايشكل هما فرديا معزولا عن المجتمع. ولا يمكن للمثقف الفرد مهما كان شأنه، أن يعالج اختلالات هذا الحقل، بمعزل عن باقي المثقفين والأطراف المتدخلة في القطاع، ومن بينها القناة الثقافية. لذلك تتطلب عملية إعادة الاعتبار للشأن الثقافي، وتثمين دور المثقف المغربي، عملا جماعيا ومؤسساتيا، تشارك فيه مختلف مكونات الحقل الثقافي الوطني بدون استثناء.
إن التحولات العميقة، والتطورات السريعة التي يشهدها المجتمع المغربي في كافة المجالات، وكذا المتغيرات المتتالية التي تجري في المحيط الإقليمي والعربي والدولي تفرض علينا مجموعة من الانتقالات بما في ذلك الانتقال الثقافي، وتحتم علينا أن نسائل مايحدث مساءلة فكرية عميقة، قادرة على تفكيك مختلف الشفرات والألغاز وقراءة الأحداث بمقاربات ورؤى تتجاوز الآني والعابر.
وما دامت الثقافة تشكل القوة الناعمة لأي أمة .والقلب النابض لها والقلعة الأمامية الحامية والحاضنة لهويتها وخصوصيتها. فإنه يتعين على كل المتدخلين، أن يتعاملوا مع هذا الحقل من هذه الزاوية. علما أن المغرب أنجب أصواتا وأسماء ،اكتسحت العالمين العربي والإسلامي بأفكارها ومؤلفاتها .استنادا إلى جودة وأهمية ومصداقية ما أنجزته ،من أعمال فكرية وثقافية في شتى أصناف المعرفة. ولعل الاعتراف العربي والدولي بما حققه المغاربة في مجال الفكر والثقافة والإبداع، خير دليل على أهميتهم وضرورتهم في بناء أي مشروع ثقافي واجتماعي وسياسي.
بكل تأكيد طموحنا كبير وأحلامنا لاحدود لها، وبكل تأكيد كذلك إمكانياتنا محدودة. لكن عدتنا وذخيرتنا في رفع هذا التحدي .هي في المحل الأول الإرادة الجماعية والإيمان بأن ما ننتجه يستحق المشاهدة، وينطوي على قيمة مضافة، وفيه منفعة وفائدة للجمهور، وإنصاف لشرائح واسعة من المثقفين والمبدعين في حقول مختلفة.
ويبقى سلاحنا الفعال في خوض هذا الرهان ، الحماس المتقد، والتعاون الخلاق، والتنسيق المحكم بين مختلف العاملات والعاملين وإيمانهم القوي بقيمة وأهمية ما ينجزونه، والتزامهم المهني، ووعيهم بالرسالة الإعلامية الملقاة على عاتقهم وتقديرهم واحترامهم للجمهور.