جريدة الأنباء و الفنون

زجر بعض الممارسات على تطبيق tiktok وموقف القانون الجنائي

عبد الله المحساني/باحث في العلوم الجنائية الأمنية

إن الثورة الإلكترونية التي عرفها العالم اليوم تؤرخ لحقبة زمنية جديدة في تاريخ البشرية، حيث قدمت الوسائط الإلكترونية للبشرية الرقي في جميع المجالات، فأصبحت هذه الأخيرة وسيلة العالم نحو الرقي الحضاري والإقتصادي، ومصدرا للثروة ومعيارا تقاس به الشعوب بإعتبارها محركا جديدا للتنمية الاجتماعية والإقتصادية، هذا التقدم الهائل واكبه من جهة أخرى تميز في إنحراف العقل البشري عن مسار الأخلاق والقانون، مما أدى إلى إفراز أنواع جديدة من السلوكات الإجرامية تنشط داخل الوسائط الإلكترونية.

فالقانون الجنائي يعبر عن ردود أفعال المجتمع التي ينبذها ويضطرب آنذاك عند الخروج على نمط معين، فإستمرارية مجتمع ما، قائمة على تنظيم نسقه وضبطه ولن يتأتى ذلك إلا بتواجد قواعد قانونية زجرية تستجيب لمختلف متطلبات المجتمع، وتعبر عنها قوانين وتنفذها مؤسسات مختصة في تنظيم رد الفعل الاجتماعي وضمان الشرعية ولتجاوز حقبة العدالة الخاصة والفوضى.

يشكل تطبيق tiktok شبكة إجتماعية ووسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، فالوسائل لا حكم لها وإنما حكمها في حكم غايتها، إنطلاقا من الممارسات الجديدة والدخيلة على المجتمع المغربي وخصوصيته التي تقع داخله.

ويجب الإشارة على ان هاته الممارسات الجديدة التي تقع داخل هذا التطبيق لها أسباب متعددة منها ما يتعلق بالرغبة في الحصول على نسب مشاهدات عالية وزيادة عدد المتتبعين ودعمهم الذي يغفر لهم في نظرهم سوء تصرفهم والمواقف الحرجة التي يتجرؤون فيها من آدميتهم ليتحولوا إلى سمكة او مقلاة وجميع أصناف الحيوانات على المباشر، هذا بالإضافة إلى قياس المشاهدات.

ومنها ما يتعلق أيضا بصدام الحضارات حيث أن هذا الإصطدام بواسطة التطور الحاصل والقرية الكونية التي أضحت نتاج التكنلوجيا ووسائل الإتصال، مما يترك أثر في حضارتنا المغربية، وتكون هناك مدخلات على القيم من خلال تأثير مجتمعات أخرى بطبيعة تنوعها، حيث يصعب اليوم ضبط تلك المدخلات من القيم مما يحتاج إلى رؤية متبصرة لتحقيق هذا الضبط.

فجدلية إنسلاخ الإنسان من القيم والثراث التي دعا لها مجموعة من النخب الفكرية، وكانت لها وقع على التماسك الاجتماعي حقيقة، حيث انه أصبحت هناك حرب على الذاكرة.

إن ردود أفعال المجتمع تجاه هاته الممارسات عبر عنها المشرع الجنائي بسنه مجموعة من النصوص الزجرية، التي تصون وتحمي أي ممارسة خارجة عن النمط الاجتماعي، على سبيل التدقيق والتمحيص نخص بالذكر الفصل 267 مكرر5 حيث دافع فيه المشرع عن القيم الإسلامية وأكد فيه أنه يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة، كل من أساء إلى الدين الإسلامي أو النظام الملكي أو حرض ضد الوحدة الترابية للمملكة، وترفع العقوبة إذا إرتكبت هذه الأفعال بواسطة كل وسيلة تحقق شرط العلنية بما فيها الوسائل الإلكترونية.

وكذلك جرم المشرع الإخلال العلني بالحياء وذلك في الفصل 483 من القانون الجنائي، وذلك بإرتكابه إخلال علني بالحياء يتمثل في العرى المتعمد او بالبذاءة في الإشارات او الأفعال يعاقب بالحبس من شهر على سنتين وغرامة، والمشرع الجنائي هنا إعتبر الإخلال علني متى كان الفعل في مكان قد تتطلع إليه أنظار العموم، وهو ما نجد فحواه داخل تطبيق tiktok.

وتشمل أيضا هذه الممارسات على التسول الإلكتروني بإعتباره مظهر من مظاهر الجرائم المستحدثة لجريمة التسول، حيث عاقب عليها المشرع الجنائي في الفصل 326 وما يليها بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وإعتبر المشرع الشخص متسولا من كانت لديه وسائل التعيش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة، ولكنه تعود ممارسة التسول في أي مكان.

ومن الممارسات التي نراها بشكل او بآخر على تطبيق tiktok المتمثلة في التشجيع على البغاء والتحريض على الدعارة وإستعمال كلمات خادشة بالحياء، وهو ما عبر عنه المشرع الجنائي في الفصل 497 المتعلق بجريمة إفساد الشباب، حيث عاقب بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة كل من حرض القاصرين دون ثمانية عشر سنة على الدعارة والبغاء أو شجعهم عليها أو سهلها لهم.

إن هاته الإحاطة التشريعية لازالت محتشمة ولا يمكن أن تعالج الأمر من باطنه، حيث انه يجب إعادة النظر في النصوص التي تزكي القيم وتدافع عن الهوية الوطنية لأن في حرصها وإهتمامها بهذا الجانب تعالج ضمنيا وباطنيا أي ممارسة جديدة تخالفها.

فالقانون الجنائي غير كافي لكبح جماح هذه الممارسات، حيث أن السياسات العمومية يجب ان يكون لها دور في إذكاء الوعي الاجتماعي، فاليوم أصبحنا نعيش الإنحلال الهوياتي أو القيمي وبالتالي يجب على أكاديمية المملكة المغربية بإعتبارها مؤسسة وطنية، أن تضطلع بمهمتها الأساسية والتي تتمثل في تحقيق التقدم الفكري والعلمي والثقافي للمملكة، وكذلك التعريف بمقومات الهوية الوطنية ونشر القيم والمبادئ الكونية.

والثقافة هي نتاج إنساني فكري نظري وعلمي، والقيم الاجتماعية في جوهرها تمثل أحد الأركان الأساسية لثقافة المجتمع والتي تشير إلى مجموعة من المعتقدات والأحكام والمبادئ التي يلتزم بها الإنسان، والتي تكون من خلال تفاعله مع المواقف والخبرات الفردية والإجتماعية وتفصح عن نفسها من حيث الإهتمامات والسلوك العلمي واللفظي.

فالقيمة لها دور في إنشاء القاعدة الجنائية، حيث أن قوتها وثبوتها في المجتمع له تأثير كبير في رؤية المشرع ومدى إهتمامه بهذه القيمة لكي يمنع الإنحلال القيمي والإضطراب الاجتماعي، الذي يقع من المخالفين لنمط المجتمع وخصوصيته، حيث انه يلزم من المشرع تحديد الأنساق القيمية ومحاولة مراقبة متغيراتها ودعمها بالقواعد القانونية لمحاربة الإنسلاخ من القيم.

من خلال هذا المخض الذي مخضته كان الهدف هو تحديد أهمية القيم في المجتمع، وأن أي تعدي على هذه القيم المجتمعية يلزم تدخل القضاء بتطبيق النصوص القانونية التي تحدثت إليها آنفا، والتي في تطبيقها على الوجه السليم تحد من الممارسات التي تقع في التطبيقات الإلكترونية المرفوضة من المجتمع جملة وتفصيلا.

ويجب على القضاء أن يتدخل وأن يكون جريء وشجاع من أجل إصدار احكام رائدة ويقاس عليها، كما فعل القضاء المصري في إطار إستصداره أحكام تدافع في باطنها على قيم الأسرة المصرية من الإعتداءات الواقعة عليها في جل التطبيقات الإلكترونية.