جريدة الأنباء و الفنون

روما أو رقصة الترنتيلا (1)

البشير القريمدي

لطالما كنت تواقا إلى تحقيق رغبة راودتني عن نفسي كثيرا؛ رغبة السفر إلى روما، مهد الإمبراطورية الرومانية، المدينة التي تمتاز جل أركانها باستنفار تاريخي وأركيولوجي، المدينة التي ترتدي رداء تاريخ الحضارة الرومانية المطرز بزخارف إتروسكية وإغريقية. لست أنكر أن هذه الرغبة لم تكن وليدة لحظة زمنية آنية، ولكن تحقيقها كان موسوما بطابع العفوية، إذ أنني لست ممن يخططون للسفر..

كان فضولي كبيرا إلى معرفة جوانب من تاريخ البُناة من خلال مشاهدة إنجازاتهم رأي العين، إلا أنني كنت أخشى أن يحدث لي مثل ما حدث لحنبعل الذي لم يتمكن من دخول روما رغم محاصرته لها مدة خمس عشرة سنة، كما كنت أخشى أن يصاب اشتياقي لها بالوهن. وجدت نفسي مدفوعا لأن أمضي إليها حرا طليقا لكي أتأبط ذراعها دونما ذريعة رسمية..

استقبلتنى روما بقطرات من مطر أزالت عني تعب طابور المطار من أجل ختم الجواز.. ومنذ اللحظة الأولى أحسست بانجذاب كبير إلى هذه المدينة التي لا تعرف من أمري شيئا بينما أنا حريص ألا يفوتني من أمرها شيء، ولقد تبادر إلى ذهني للوهلة الأولى أنه كان من الممكن أن أتعرف على تاريخها من خلال المطالعة ، ولكنني لست أكتفي بالممكن ولا أطمئن إلى الظن بل أطمع في اليقين.. ما أفتك الظن بالناس إذ يرسمون صورة مشوهة للآخرين بريشة الظنون..

تبادلنا على الفور عاطفة غريبة في نشأتها. لم أكن واثقا من احتضانها لي ونحن في أيام ديسمر الباردة، لم أهيئ نفسي للقائها ولم أبحث عن الشروط التى ينبغي توفرها في من هو مقبل على أن يخطب ودها قبل أن تطأ قدماه أهم ساحاتها أو دخول متاحفها..

مادة إعلانية

صباح تحليقي فوق سمائها، عرفت أن نهر التيبر الذي يعبرها أكسبها ملامح خاصة وأنعم عليها بجمال وسحر ذكراني بمعشوقتي القديمة ليون ونهريها السين والرون.

لم أكن مستعدا لأقارن بين المدينتين، إذ علمتنى السنوات أن أتفادى المقارنة وأنا تحت تأثير الانبهار.. في روما وجدتني أقول في نفسي بعفوية ودونما عميق تفكير :حقا ما أشد استئثار الجمال بنفوسنا!

بدأت زيارتي من الكوليسيوم وهناك استقبلت أول سهم أصاب فؤادي رمته بدقة متناهية محاربة رومانية من زمن الحروب البونية…

يتبع…