جريدة الأنباء و الفنون

رؤيا غوجين (1)

أمامة قزيز/ روائية وشاعرة

وصلت الحافلة إلى آخر محطة بالقصر الصغير، وهي لا تزال غارقة في أفكارها؛ في محاولة لإيجاد عذر مقبول عن عدم توصلها بالمال من طرف أخيها الوحيد الذي يقطن في ضاحية القصر الصغير.

شدت محفظتها الصغيرة هامة بالنزول بعدما نبهها السائق إلى انتهاء رحلة السفر القصير… واضطرت إلى انتظار ناقلة تقلها إلى ضاحية “غوجين”، هذه البلدة الصغيرة التي تقع على بعد كيلومترات من القصر الصغير، الجميلة جدا بطبيعتها الخلابة المطلة على البحر، هذا الأخير الذي يأبى إلا أن يمتد إلى السماء عبر موجات خضراء تغطي نتوءات التلال والهضاب…فيضفي هذا التلاحم بين اللونين انصهارا أخاذا، ورغبة جنونية في التمرغ والتدثر بالثنائيين الأخضر والأزررق..

تراءى لها المنزل الشاسع ذو الحديقة الكبيرة، فتذكرت والديها المرحومين، رمقت سيارة مرسيدس سوداء كبيرة تغادر الباب الخارجي للبيت، فاستغربت في قرارها وتساءلت حول ما إذا كان أخوها قد اشترى سيارة؟ لكنها استبعدت الفكرة لأنه في ضائقة مالية اضطرته إلى بيع السيارة الموروثة عن أبيهما وكذا بعض الأملاك.

حاولت فتح الباب الداخلي، لكن دون جدوى!يبدو أن المفتاح لم يعد مناسبا للقفل ! همت برن الجرس…استنكفت من الانتظار…
بانت لها امرأة مألوفة؛ الخادمة التي لازمت الأسرة منذ كانت في المهد، سلمت عليها ببهجة بالغة:

ـ “حبابي الزهرة” هل غيرتما قفل الباب؟
تجهم وجه المرأة وهي ترد بضعف:
ـ أجل…إي…نعم.
تقدمت الفتاة نحو الداخل تتبعها المرأة قائلة:
ـ أين أخي الآن يا ترى ؟
ـ أخوك؟ آه السي “ّ سعيد”…
هزت كتفيها مردفة :
ـ لا أدري.
علت الدهشة محيا الفتاة، لكن قبل أن تستفسر المزيد؛ ظهرت امرأة عجوز، سمراء المحيا،عيناها السوداوان براقتان تنمان عن حصافة وسرعة بديهة… سألت الأولى باستغراب، وبدت من لكنتها أنها ليست من وليدات المنطقة:
ـ من أنت؟
ردت الفتاة بذهول:
ـ أنا من علي أن اسأل !!
ـ ووقحة أيضا…
مستديرة نحو الخادمة:
ـ أخرجيها “الزهرة ” !أنا لا أعرفها.
ترددت في تنفيذ الأمر وهي تنظر إلى وجه الفتاة الذي اصفر من الصدمة…
ـ هذا لا يعقل، من أنت؟ هذا البيت هو بيت أخي سعيد، سكنت فيه منذ ولادتي، كيف يعقل أن تطرديني من منزلي ؟ !!
تمحصت العجوز في وجه الفتاة بريبة وهي ترد بحذر:
ـ هذا البيت أصبح لنا؛ اشتراه ابني من سعيد ؛ نحن نقطنه منذ شهر ونيف، لا تدعي أنك لا تعلمين !! ربما أرسلك في محاولة لكسب المزيد من المال؟
رمقت الفتاة الزهرة -التي لم تعد خادمتها- مرددة في حيرة:
ـ أخبريها أنني لا أعلم شيئا عن الموضوع، لقد انقطعت عني أخبار سعيد منذ مدة؛ حتى هاتفه الخلوي لا يرد…ما الذي يحدث بالضبط حبابي الزهرة؟؟
قالت الخادمة في استعطاف لسيدتها العجوز:
ـ للاَ زليخة! البنت على حق، إنها تدرس بعيدا عن المنطقة ،ويبدو أن سي سعيد قد باع البيت دون علمها.
ردت العجوز في عناد:
ـ أنا لا أصدق ما تدعيه، أنسيت كيف أنكر سعيد ذاك المبلغ المتفق عليه عند عقد البيع! إنه محتال كلف ابني المزيد من المال، انا لا أصدق هذه المحتالة أيضا، لن تكون أفضل من أخيها !
ثم مومئة بسبابتها إلى الباب:
ـ هيا اخرجي من بيتي.