جريدة الأنباء و الفنون

حين تطغى الأنا…

فاطمة موسى

ما رأيكم في القول على أن مشكلة الأدمغة البشرية؛ هي أنها تصنف الناس في قوالب هندسية، طبقا لمعايير خاصة بالنجاح، وأخرى بالفشل وغيرها…

كل المعايير تقتضي المثالية دائما، فلكي تكون ناجحاً يجب أن يكون رصيدك البنكي مزدحمًا بالأصفار، و لو بأبشع الوسائل، فالنظرية الميكيافيلية البراغماتية دائما تحضر معنا لأقصى حد في التنشئة الاجتماعية لأبناء هذه الأرض “الغاية تبرر الوسيلة”.

ومع تنامي الثورة الصناعية والفكر التجاري الحر؛ وتكاثر أصحاب العقلية المشاريعية، أصبح الإحتقار والإستصغار والتنقيص من الأخر ميزة وموهبة لايتقنها إلا الدهاة منهم وأشدد على: “البعض منهم”.

فتجد مثلا، أنه بمجرد أن يفلح أحدهم في إنجاز مشروعه الخاص، أو نجح في عمل ما -ويالها من أعمال سطعت في هذا العصر- قد يكون فتح له بابا عريضًا نحو الغنى، إلا وبدأ باحتقار ذلك الموظف صاحب الدخل القار، خريج الجامعة الحكومية، الذي يقضي الحوائج الإدارية الصحية والتعليمية والاجتماعية لعامة الناس حتى “أصحابنا” منهم، وقد يصل بهم الحد للإستهزاء بسعي وكَدِّ الطلاب للدراسة معتبرين إياها مجرد مضيعة للوقت ضاربين عرض الحائط كل فضائل العلم والدراسة.

تجدهم في مجالسهم، في حضرة الأغيار يتراقصون بتعبيراتهم وخطاباتهم الرنانة عن معايير النجاح؛ منتشيين في الحديث عن السعادة المالية ورصيدهم البنكي، أو على مواقع التواصل الاجتماعي يبيعون الوهم للشباب على اعتبار أنه يكفيك أن لا تنساب مع قافلة طالبي العلم حتى تصبح استثنائيا وفريدا من نوعك وتجلب لنفسك أموالا طائلة أو بقرائتك لبضعة كتب عن كيفية جلب المال، والكثير من الأقاويل الإنتقاصية للطلاب، كالجوعى الذين مافتؤوا يستمتعون باللقمة، “ولهلا يوريك؛ الجوعان إذا شبع”.

هذا هو الإنسان العربي، يولد في الهم والغم وكلما رأى شعاعا صغيرًا في أفق الظلام، شعر بتخمة من السعادة اللامتناهية.

مادة إعلانية

والناس في النهاية ليسوا مجبرين على أن يمرو بنفس المسالك.

فالسعادة الحقيقية تأتي من رحلة اكتشاف الذات.

تأتي من العلم والمعرفة وخوض التجارب، دون الإنتقاص من مجال على حساب الأخر.

تأتي السعادة والمرونة والحرية من معرفة مايجب الاهتمام به، والأهم من هذا؛ أنها تأتي من معرفة ما ينبغي عدم الاهتمام به.

هكذا إذًا تتضخم الأنا فينا بشكل يدعو للتقزز والإشمئزاز، ناسين أو متناسين حاجتنا الكلية لبعضنا البعض على اختلاف إنتماءاتنا الفكرية والإجتماعية، بل حتى المهنية، وأن الحياة أعمال ومكاتب وأقدار، وأن الأرزاق بيد الله الواحد الأحد.

ففي النهاية؛ ما نحن إلا أوراق خريف عابرة…