جنان بن يشرق: نموذج للعزيمة و الإبداع في عالم الكتابة
فدوى الجراري/شؤون
احتفل المركز الثقافي إكليل التابع لمؤسسة محمد السادس بتطوان أول أمس السبت، بالطفلة الكاتبة جنان بن يشرق لإصدارها أول قصة موجهة لأترابها الصغار، و الذي يحمل عنوان “اختاري أمنياتك بحذر”.
و جاء هذا الاحتفال في إطار الدعم المتواصل للمركز و كافة أطره لروادهم الصغار، من أجل الخلق و الإبداع و التحفيز على إطلاق العنان لمواهبهم الفياضة.
و كانت جنان بن يشرق ذات الإحدى عشر سنة، صاحبة عزيمة و جرأة في طرح أفكارها و شغفها على الورق الأنيق الملون؛ حيث نسجت خيوط حكاية تفيض بحكمة الحكماء، برزانة النجباء، برعاية الآباء، و جموح الطفولة للاستمتاع بلحظاتها الخاصة بما يَبصم اسمها و شخصيتها كيفما تحب أن تكون.
العمل و صاحبته أثارا محبرة الأستاذة و الشاعرة نبيلة بيادي، التي أبت إلا أن تشارك بورقة تثني فيها على الإصدار، خاصة و أنه صدر عن طفلة تشقُّ طريقها بخطى حثيثة في عالم الكتابة و الإبداع.
و قد ركز مضمون الورقة على تمثل الأسلوب و التراكيب اللغوية اللذان اعتمدتهما الطفلة الكاتبة، و كذا المغزى العام من الفكرة التي انبنت عليها الحكاية.
نقرأ في ورقة الأستاذة بيادي: “الصراحة، وجدتني أمام رسائل مشفرة للكاتبة الصغيرة: أولها حين قالت في الصفحة الخامسة(5): “منذ صغري و أنا أتمنى أن أحقق في قضية حقيقية”. فَهُنا نجد حلمًا، و جميلٌ جدًا أن يتربى أطفالنا على أحلام يحاولون تحقيقها، و رسالة مشفرة أخرى في نفس الصفحة: “في كل مرة أقرأ فيها كتابًا”، و هنا تشجيع على المطالعة و القراءة.
كما تناولت الورقة إشارةً إلى البناء السَّردي، و حنكة القاصة الصغيرة في توزيع الأدوار بين الشخصيات، و حضور الأبِ البطل في القصة دلالةٌ على حضوره القوي في بناء شخصية الطفلة الكاتبة، و عرجت الأستاذة بيادي على التصميم الداخلي للعمل المتناسق الألوان.
ختام الورقة كان مع عبارة قالت فيها صاحبتها:”لا يسعني إلا أن أشجع هذا العمل و أحُثَِّك على المثابرة و الكتابة من جديد، و العمل على توسيع الأفكار، و الاستعانة بشخصيات متعددة، و الاعتماد على خيالك الجميل لنجد قصصًا أخرى تحمل اسم جنان بن يشرق”.
مشاركة ثانية قدمها الأستاذ عماد العطار مديرُ المركز الثقافي إكليل للطفلة الكاتبة جنان، تطرق فيها إلى الشقِّ القانونيِّ الذي يجب أن يؤطر كلَّ عمل إبداعي حفاظاً على حقوق ملكية صاحبه، حيث عرض الخطوات العملية و المفصلة لأي عمل إبداعي ابتداء من مرحلة الكتابة إلى مرحلة النشر و التوزيع
و كانت مشاركة المدير بشكل تفاعلي بينه و بين الأطفال الذين حضروا اللقاء مساندين صديقتهم من جهة، و من جهة ثانية لعلهم يأخذون منه ما يُشعِلُ فتيلة شمعة الإبداع لديهم، فكلهم يتمتعون بِمَلَكات الخَلق و الإبداع في مختلف المجالات و الفنون الإبداعية.
و جاءت هذه المشاركة لتضع جنان بن يشرق في طريقها الصحيح، و تسري بعملها الصادر أو بأعمالها القادمة بشكل يتماشى و النسق العام الذي يفرضه مجال الكتابة والإبداع.
كما تلقت جنان خلال الحفل عدة مفاجآت سارَّة منها رسالتان موجهتان من كاتبَين مغربيَّين كبيرَين هما: الأستاذ عبد الحميد الغرباوي، الذي يعد أحد الكُتَّاب الذين شغفت الطفلة بالقراءة لهم خصوصا إسهاماته القصصية الموجهة للأطفال و اليافعين، إضافة للأكاديمية الأستاذة سعاد الناصر أمُّ القراء و الداعمةُ للموهوبين.
و قال الغرباوي في جزء من رسالته: “…. وها هي ذي الحمامة البيضاء تطوان العزيزة، تفاجئني مرة أخرى بهدية ثمينة، تتمثل في صندوق مُوَرد موشِّى بخيوط من حرير، في داخل الصندوق تتألق هدية من كلمات، من أسطر، من عبارات حاكت خيوطها و نسجتها أنامل رقيقة، خفيفة، وديعة كَهَبَّةِ نسيم عليل، هي أنامل صغيرتنا جنان بن يشرق.
و أضاف الكاتب: “جنان، الملاك، التي اختارت عن طواعية أن تدخل بهدوء، و وداعة، دون اقتحام، عالم الكتابة، الحكيِ، قصد دعوة الآخر (صغارا و كبارا) إلى أن يقتسموا معها مشاعرها و أحاسيسها و أحلامها و أمنياتها، بدل أن تظل حبيسة أنفاسها، قلبها و عقلها. اختارت جنان لِقِصَّتِها البِكر التي صدرت في كُتَيب أنيق السَّمت عنوانًا جميلا دالاًّ، مرتدية جُبَّةَ الحكيمة صاحبة التجربة التي خَبِرَتِ الحياة: (اختاري أمنياتك بحذر). يا روعة العنوان! ويا عمقه!”
كما أفادت الناصر في مقتطف من رسالتها: “أهنئ العزيزة جنان على هذه الخطوة المباركة في عالم السرد، و هي خطوة تنبئ عن ميلاد روائية واعدة، فالنص الذي كتبتِيه فيه نفَسٌ روائي، و ليس قصصي، لأنه يحمل خصائص الرواية أكثر من خصائص القصة التي تعتمد بصفة خاصة على التكثيف، و أرى أن لك القدرة على خلق عوالم متخيلة، و تشكيل شخصيات، تجعلنا نعيش معهم، كما لك القدرة على التشكيل الشعري الذي يظهر جليا في العنوان خاصة.”
هذا الدعم و المساندة التي حظيت بهما الطفلة الكاتبة جنان بن يشرق من قامتين كبيرتين في مجال الكتابة و السرد الأدبي، أبان عن عطف الأب و حنان الأم في احتضان أبنائهما و وضعهم على الطريق الصحيح، و قد تلقت بن يشرق الرسالتين بقلب مفعم بالسعادة، و وقعُ المفاجأة جعلها غير قادرةٍ على التعبير عما يختلجها من مشاعر الفخر و الامتنان. فهذه الإشادة تعني لها الشيءَ الكثير، فقد أدركت من خلالها أنها تخطو خطواتٍ ثابتةً و ناجحةً في الطريق الصحيح.
و قبل اختتام الحفل، حظي الأطفال الحاضرون بمساحة لطرح أسئلتهم على صديقتهم، التي أصبحت بعد قراءاتٍ مكثفةٍ و تمارينَ مُضنِيةٍ كاتبةً يفتخرون بها، ثم أخيرا أمتعتهم بتوقيعات على إصدارها الذي خَلُصَت كُلُّ نسخه المعدودة في جلسة واحدة، مع وعدها أن يكون إصدار العدد الجديد وفق كل الإرشادات و التوصيات التي تلقتها خلال هذا الحفل.
نجدد التهنئة للطفلة جنان على عملها و مثابرتها و تفانيها من أجل شق طريق الكتابة و الإبداع بخطى حثيثة، كما نهنئ والديها على حسن تربيتهما و دعمهما لابنتهما فيما تصبو أن تصير عليه، و نهنئ أيضا كل من ساند و دَعَمَ هذه المبدعة الصغيرة و آمن بموهبتها و احتضنها. آن لجميع هؤلاء أن يفخروا و يسعدوا بهذه الثمار التي أينعت و تم قطاف بعضها، في انتظار مزيد من الإبداعات من جنان و كل أطفالنا النجباء في حاضرة تطوان العامرة.