جمعية السرطان كلنا معنيون.. ورحلة الكفاح والأمل
مصطفى بودغية/شؤون
السرطان، هذا المرض العنيد المستعصي على العلاج الذي حير مراكز البحث الطبي في العالم، قلما نجد بيتا لم يقتحمه على حين غرة كزائر قاتل مستهدفا أحدا من أهل البيت أو أكثر. قد ينجح أهل البيت في أن يدفعوا المرض المعربد إلى الانسحاب من جسد مريضهم، لكن بعد أن يستنزف منهم المال الكثير في العلاج والجهد الكبير في حرق أعصابهم، وتبديد قواهم الجسدية جراء مرافقة مريضهم والتنقل به من عيادة إلى أخرى، ومن مركز علاجي إلى آخر، وإنهاك طاقتهم النفسية في التضامن معه والخوف من فراقه. ولا حاجة إلى توصيف حالة المريض نفسه الذي قد ينهار نفسيا وجسديا مجرد أن ينزل عليه كالصاعقة خبر إصابته بهذا المرض الفتاك.
لا بد أن نشير أنه من خلال الإحصائيات يسجل المغرب 50 ألف حالة سرطان سنويا. ومن أجل توسيع دائرة الاهتمام بالسرطان إلى أوسع نطاق ممكن، لمواجهة الارتدادات الكارثية للمرض وللحد من تأثيراته والمساهمة في علاجه، تأسست جمعية “السرطان.. كلنا معنيون” بتطوان.
باشرت جمعية “السرطان.. كلنا معنيون” الفعل المدني الاجتماعي سنة 2014. كان الراحل الأستاذ الحسن أمحجور، صاحب فكرة تأسيسها، وكان بدوره يعاني من هذا المرض الفتاك. وهكذا تم إنشاء الجمعية رفقة ثلة من الأطر والأساتذة منهم د. بنعيسى بنعتابو وذ. الأمين مشبال، وذ.فاطمة لمغاري٠ والسيد محمد الفارسي.. والشاب محمد بلقاضي الأصغر سنا في المجموعة، وغيرهم. ومنذ نشأتها سطرت العمل على إنجاز وتطوير مجموعة من الأهداف منها :
– مرافقة المرضى حالما اكتشاف إصابتهم لأجل اختصار مسافة الزمان والمكان عليهم للولوج لعملية التشافي في أقرب وقت ممكن. ولا يعتبر الأمر سهلا، نظرا لوجود مراكز العلاج خارج مدينة تطوان موزعة بين الرباط وطنجة، مما يعني البحث الجدي عن سبل الدعم المادي واللوجيستي لتوفير وسائل تنقلات المرضى وتكلفتها، وضمان راحتهم خاصة بعد إنهاء حصة العلاج المنهكة لهم جسديا ومعنويا.
– تقديم الدعم النفسي اللازم لهم أثناء مرحلة الخضوع للعلاج بمساهمة مختصين نفسيين، نظرا لأهمية الجانب النفسي في عملية الاستشفاء. ليتم ذلك بتنظيم جلسات الإنصات الجماعي للمرضى؛ حيث تتاح الفرصة لكل واحد منهم للتعرف على تجارب المرضى الآخرين، وعلى كيفية مواجهتهم للمرض، وكيفية تعاملهم مع إجراءات التطبيب والصعوبات التي تعترضهم في هذا المضمار الشاق والطويل.
– تنظيم أيام تكوينية توجيهية حول طرق التغذية الخاصة والملائمة، ينشطها مختصون في علم التغذية، كان آخرها اليوم الذي نظمته الجمعية في مقر عيادة الأخصائي في التغذية، الأستاذ هشام الدكالي بتطوان.
– تنظيم خرجات ترفيهية منتظمة للمرضى بمنتزهات المنطقة، لدعم العامل النفسي وتقوية الإحساس بأهمية الحياة وتصليب إرادة الاحتفاء بها. وكذلك تنظيم إفطار جماعي في شهر رمضان، لتقوية روابط التضامن والتازر والتاخي بين المرضى.
ولا تتوقف مجهودات الجمعية على توسيع دائرة الاهتمام الجدي بمرض السرطان بالبحث عن الداعمين لها سواء في المستوى الفردي أو في مستوى مؤسسات القطاع العام أو الخاص. وقد مرت تجربة فترة أزمة كورونا قاسية على العمل الوظيفي الهام لهذه الجمعية في هذا المجال الصعب والحيوي، مجال دعم ومساعدة مرضى السرطان بتطوان ونواحيها. خاصة بعد أن فقدت بعض أعضائها الفاعلين لظروف وأسباب متعددة. لكنها ضمنت استمراريتها وتأمين دورها بفضل جهود أعضاء مخلصين أوفياء ومتفانين في بدل الجهود في سبيل ترسيخ عملها المدني النبيل والحيوي، ومن هؤلاء الأعضاء السادة والسيدات : سعيدة حميدون، خدوج إمحاولن، امحمد موبلاد، محمد بلقاضي، الدكتور بنعتابو بنعيسى، محمد جحجاح وإدريس البلقاسمي.
كانت ظروف العمل شاقة وصعبة أثناء أزمة وباء كورونا مع حظر التجمع والتجول وانقطاع وسائل النقل العمومي، بالإضافة إلى هشاشة الوضع المادي للجمعية. ومع ذلك نظم أعضاؤها أثناء الأزمة 50 رحلة للعلاج لفائدة مرضاها، ووفروا التمويل الكافي لتكلفة هذه الرحلات، رغم تعقيدات عملية التنقل بسبب حظر أو تقنين التجول.
لا تفوت الجمعية أية فرصة لمطالبة المسؤولين وتحسيسهم بأهمية الالتفات الجدي والعملي ضحايا السرطان، وتسطير سياسات بإمكانها توفير شروط تعافي وعلاج قادرة على تخفيف المشقة والعناء المادي والجسدي والنفسي لهم ولذويهم، خاصة الفقراء منهم وذوو الدخل المحدود. لأجل هذا، لبت الجمعية دعوة اجتماع المجلس الإقليمي لدراسة المخطط التنموي الخماسي لإقليم تطوان (2027/2022) الذي ترأسه السيد عامل الإقليم وحضور ممثلي الجماعات الترابية التابعة له، وطالبت بفتح جناح لمرضى السرطان بالمستشفى الجهوي للتخصصات بتطوان، لأجل الحد من إرهاق المرضى وذوييهم في التنقلات بين تطوان من جهة والرباط وطنجة من جهة ثانية. كما تطالب أيضا بفتح سجل السرطان الخاص بالمرضى المصابين بهذا الداء بشمال المغرب، أسوة بالسجل الطبي المتعلق بدراسة وتجميع المعطيات والمعلومات حول حالات السرطان بجهتي الرباط/القنيطرة و الدار البيضاء سطات، وذلك نظرا لخصوصية جهة طنجة تطوان الحسيمة الشمال من حيث التأثيرات الصحية السلبية للمنتجات الغذائية غير المراقبة التي تصلهم عبر التهريب من باب سبتة المحتلة، والتي عملت السلطات المغربية على الحد من تدفقها قبل بضعة سنوات؛ وأيضا تلك الناجمة عن مخلفات وآثار حرب الريف، إضافة إلى التأثيرات المشتركة والعامة بفعل التلوث البيئي وأضرار المواد الكيميائية المستعملة في الزراعة والفلاحة وغيرها من المؤثرات.
أخيرا لا بد من الإشارة إلى الحفلات الفنية التي تقيمها الجمعية، بالتعاون مع جمعيات أخرى أو بمفردها، والتي تسعى إلى إقامتها كل سنة، وتكتفي الآن بتنظيمها كلما سنحت لها الفرصة لذلك. الهدف من هذه الحفلات الفنية توسيع دائرة الاهتمام بمعاناة مرضى السرطان قدر الإمكان وتوسيع دائرة التضامن معهم ودعمهم، وكذلك البحث عن مداخيل إضافية لتمويل الأعمال المساندة والمدعمة لهؤلاء المرضى.
وفي هذا السياق التضامني جاء الحفل الفني الذي نظمت الجمعية في 08 فبراير 2024 بسينما اسبانيول بتطوان، بالتعاون مع الجمعية المغربية للتنمية الثقافية والاجتماعية، وبدعم من عدد من المؤسسات في القطاع العام والخاص. حيث كانت الفقرة الرئيسية في الحفل تتمثل في تكريم الدكتور بنعيسى بنعتابو مختص الفحص بالأشعة، أحد النشطاء الأساسيين في الجمعية، الذي لم يبخل يوما بماله وجهده في دعم أنشطة الجمعية، وفي تقديم العون والمساندة لمرضى السرطان، ومساعدة كل المرضى الفقراء المحتاجين إليه في مجال تخصصه وفي المجال الطبي بشكل عام. الدكتور بنعيسى بنعتابو. معروف في تطوان بكرمه السخي ورقي أخلاه وانشغاله بقضايا الطبقات الفقيرة من الشعب المغربي، كما أنه كان من قبل من أبرز المناضلين في التاريخ السياسي المغربي الذين ناضلوا من أجل العدالة الاجتماعية وترسيخ قيم المواطنة والمساواة. ولهذا كانت مبادرة تكريمه مستحقة ونبيلة.
ونجدر الإشارة إلى أنه قد سبق تكريم الدكتورة أمينة بركاش من طرف الجمعية، نظرا لمجهوداتها ومساهماتها القيمة في دعم مرضى السرطان من الناحية النفسية والمعنوية. ونرجو أن تصير تقليدا تكرم فيه شخصيات أخرى تعمل بإخلاص وصمت وتجرد مثلما تم تكريم د. بنعيسى بنعتابو، وقد توزعت فقرات الحفل، قبل فقرة التكريم وبعدها، بما قدمته مجموعة من الفنانين من عروض فنية هادفة وراقية منهم الفنانة الرائعة سلوى الشودري، والفنان المتألق أسامة عبد الدائم، والفنانتان الرقيقتان يسرى أحمد، وهاجر فزاكة، وخليل رياض. كما قدم الفنانان المحبوبان حسن ومحسن، عروضا ساخرة، فيما قدم الحفل الأستاذ والفنان محمد أحياتن والصحافية والكاتب مريم كرودي.
للإشارة، لم ينس منظمو الحفل القضية الفلسطينية، لقد كان حضور فلسطين طاغيا وجارفا من خلال أغاني فيروز التي شنتها سلوى الشودري، بصوق جميل دافئ أثار إعجاب الحاضرين كما أثار شجنهم وحبهم لأهل فلسطين وحزنهم على مأساتهم وتعلقهم بالقضية الفلسطينية العادلة.
ولهذا من الواجب تقديم الشكر الجزيل لهولاء الفنانين الذي تطوعوا لإنجاح هذا الحفل ولم يطلب جلهم أي مقابل مادي دعما منهم ضحايا السرطان بالمنطقة وتضامنا مع جمعية “السرطان.. كلنا معنيون”، لكم كل التحية على نبلكم ووفائكم للخير.. وتحية كبرى لمن أنجح هذا الحفل بالحضور أوبالمساهمة أو بالدعم.