جريدة الأنباء و الفنون

النهاية في فقدان الغاية

سارة كرودي

يظل المرء منذ ولادته و هو يحاول التقدم في مراحل حياته بالاعتماد على كل الإمكانيات والطرق التي تحقق له إكمال مسيرة النمو , هذا النمو و الرغبة في التقدم تتزعمها إرادة تعتبر هي المحرك و الوقود الأبدي الفطري في روح الإنسان والتي لا تنطفئ و لا تتوقف عن الدفع بصاحبها إلى معرفة ذاته و ما حولها .

حيث ترسم له طريقا بلا عودة بلا ماضي بلا خوف و بلا تقاعس فكلنا يستفيق في الصباح الباكر ليعيش يومه وهو لا يعلم كيف سيمر وما فيه من أحداث و مخاطر ، يخطط للعام القادم و لا يعلم هل سيعيش…

يتخذ قرارات وهو غير متأكد من صحتها، لماذا ؟ لأننا مضطرون لفعل ذلك نحن مبرمجون على التقدم إلى الأمام في طريق مرسوم بلا عودة ولا توقف من الصرخة الأولى إلى الشهقة الأخيرة، كل هذا بإرادة واعية كأن هذه الإرادة هي محرك الحياة للإنسان رغم صعوبة استيعابها ، فعند التأمل في الأمر نعرف لماذا الفلاسفة وجدو صعوبة في تحديدها بل الأكثر من ذلك فوليام جيمس يقول لو كنت تعتقد أنه لا وجود للإرادة فلما تتعب نفسك في تقديم الحجج على ذلك ونفس الغموض عبر عنه نعوم تشومسكي عند السؤال عن الإرادة قال بخصوص حرية الإرادة أعتقد أننا مازلنا عالقين فيما توصل إليه ديكارت لا يمكنني التخلي عن الاعتقاد بوجودها إذ هي ظاهريا أكثر انطباعا ووضوحا لا كن لا يمكن تفسيرها.

ومن منظورنا نعتبرها هي تلك الفطرة التي تنمو مع الانسان ولا تفارقه إلا بمفارقته للحياة مع قدرة المرء على توجيهها في الخير أو الشر وذلك لغاية تحقيق فعل ما، ذلك الفعل الذي تكون غايته مرسومة في ذهن الانسان قبل بدء الفعل أي يمكننا القول بأن الغاية هي المستوى الثاني في الإدراك الفعلي بعد الإرادة .

فكل الأفعال محكومة بغاية فعلها حيث لا يوجد فعل يقوم به المرء ولا يوجد في وعيه غاية فعله

مادة إعلانية

الطالب غايته العلم والأجير غايته الأجر و السارق غايته الربح والعابد غايته الجنة و مرضاة ربه .

ومنه ففي حالة فقدت غاية الفعل قد تفقد معه قيمته و حكمه فلو صادفنا سارقا يسرق لسد رمقه لا نؤاخذه على سرقته و لو قبل أجير العمل بدون أجر لم يعد أجير بل متبرع أو متطوع و الأمثلة كثيرة و لا حصر لها لكن بما أننا مقبلون على شهر رمضان فسنتوقف على العبادة و التعبد وغاياته، لأننا نخاف أن تنحرف غاية العبادة و نعبد الله بخطأ و العبادات كثيرة ومتعددة لكن من أهمها الدعاء فالدعاء إلى الله هو من خير العبادات لأنك تتوجه بكل جوارحك إلى الخالق لطلب توبته و رحمته و أن ينفعك برزقه…

فغاية الدعاء هو ذلك السر و الخنوع و الخلوة و الصدق و الوحدة وأنت تناجي الله فلو صادفنا عبدا يدعو الله لكن تلك الدعوة ينشرها على حائطه في الفايسبوك مثلا فتكون عبادة الدعاء و غايتها لم تتحقق لأن الغاية تغيرت و أصبح الدعاء لله مع اشراك الناس وهذا نموذج من نماذج الشرك ، ومن الأمثلة أيضا أن يقوم المرء لصلاة الفجر ويجاهر بالفعل في صفحته فتنتهي بها غاية تلك العبادة ويتغير الفعل و معه الغاية والثواب.

بيد أن الله نبه عباده من هذا كثيرا و حذر منه و صنفه من أكبر الكبائر و يدخل في الشرك والرياء ولهذا فمساعدة الناس لا تستقيم و الاشهار بها فالصلاة لا تصلح عند التفاخر بها و العمرة أو الحج لا تكون لتبجح بها فغاية كل العبادات ان نفوضها لله ليجازينا عليها .

الله لا يقبل ازدواجية الغاية إما ان تكون له أو للناس، فالبشر في القرن 21 لم يعد يفرق بين ما يفعله لنفسه و روحه وما يقدمه ويفعله ويشاركه مع الأخر بسبب ضعف روحانية المرء وبعده عن ما يفيده من علم و تأمل و اكتشاف و طرح تساؤلات اقتصر تركيزه على غلاف الأشياء ما جعل الكل يشارك الكل في الكل الشيء الذي أضحى سببا في فقدان قيمة الأفعال و الأشياء ويرسلها إلى نهايتها بسبب تغير الغاية منها فالبشر الأن يصنع نهايته بيده فالنهاية ستكون بفقدان الغاية .