الفكر النقدي العربي.. المرجعيات والمسارات
سعد البويحياوي/شؤون
نظمت شعبة اللغات وماستر تدريسية المعارف الأدبية بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان التابعة لجامعة عبد المالك السعدي، بشراكة مع مختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، يوم الأربعاء 15 مارس2023، الساعة الثالثة زولا بقاعة محمد الرامي للندوات العلمية لقاء علميا في موضوع:”الفكر النقدي العربي الحديث: المرجعيات والمسارات”.
ونسق أشغال الجلسة الافتتاحية الدكتور محمد نافع العشيري وقدم في بدايتها الدكتور يوسف الفهري رئيس شعبة اللغات كلمة نوه فيها باللقاء الذي يأتي في سياق التأطير والتوجيه للطلبة الباحثين، وبجهود الدكتورة سعاد مسكين والفريق الذي يشتغل معها في إنجاح هذا اللقاء، مركزا على أهمية مقاربة الفكر النقدي العربي وتتبع تاريخ المنجز النقدي العربي بالنقد.
وفي كلمة مختبر السرديات – الدار البيضاء، أشاد إبراهيم أزوغ بالإشعاع العلمي الأكاديمي والثقافي للمدرسة العليا للأساتذة بتطوان، مؤكدا على أن هذا العمل واستمراره، هو الكفيل بنزع الطابع التقليدي عن المدرسة العليا للأساتذة، ونقلها من هدفها في تكوين الطالب الأستاذ إلى هدف آخر، يجعل منها مجالا للبحث العلمي وتكوين الأستاذ الباحث.
وأكد أزوغ على أن الهدف من الشراكات العلمية والتنسيق، هو خدمة البحث العلمي بتبادل التجارب والخبرات والمعارف بين مؤسسات البحث العلمي، منوها بأوراق الطلبة وجديتها وتنوع مقارباتها وجرأتها في تناول مشاريع نقدية عربية مؤسسة ومستأنفة ومطورة للبحث النقدي العربي.
من جهتها، أكدت الدكتورة سعاد مسكين منسقة ماستر تحليل الخطاب وتدريسية المعارف الأدبية بالمدرسة العليا للأساتذة، وأشغال هذا اللقاء، في كلمتها على أن هذا اللقاء هدفه الأول والأخير تأطير طلبة الدكتوراه ومنحهم المجال لاختبار معارفهم ومهاراتهم التواصلية وقدرتهم على التحليل والنقد، مشيرة إلى أن الفكرة جاءت في سياق الشراكات التي دأبت عليها في أنشطة الماستر والمدرسة، التي تعقدها مع مختبر السرديات، ومختبرات أخرى، منوهة من خلال متابعتها وإشرافها على الأوراق النقدية المقدمة لهذا اللقاء العلمي، وثقتها في الباحث الجامعي والجامعة المغربية، مؤكدة على أن أوراق هذا اللقاء ستنشر قريبا بالتنسيق مع مختبر السرديات.
ونسق أشغال الجلسة الأولى علاء الدين الطماوي؛ الذي في البداية للقاء بورقة حول الفكر النقدي العربي؛ وقدمت الباحثة كريمة الهجام المداخلة الأولى بعنوان “خطاب الموسوعة من السرديات إلى الدراسات الثقافية” انطلقت فيها من مجموعة من الإشكالات المتولدة عن إشكال مركزي صاغته في سؤال: كيف تبلور المنظور النقدي عند عبد الله إبراهيم؟ وقاربته من خلال قضايا المشروع النقدي لعبد الله إبراهيم؛ قضية السردية الحديثة وسؤال النشأة والذي كان منطلقا لملاحظة باقي قضايا المشروع، وقضية التخيل التاريخي وعلاقته بالرواية، وقضية أدب الاعتراف وخصائصه وإكراهاته، وقضية الأدب النسوي والحاضنة الثقافية التي صدرت عنه، وخلصت إلى أن إبرز ما ركز عليه الناقد في مشروعه السردي العربي ، واعتبرت المنطلق والأساس النقدي الذي نظم إشكالاته حول السرد العربي والرواية، اعتماده على مفهومين بارزين وهما: مفهوم التمثيل ومفهوم الهوية، كما أكدت الباحثة على أن الناقد عبد الله إبراهيم لا يتبنى مقاربة جاهزة يمكن استخراجها من موسوعته، فهو تشرب التصورات النقدية الغربية الحديثة بمرجعياتها النقدية ، وعمد إلى تبيئتها بما يتناسب وإنتاج خطاب نقدي عربي ينتصر للنص، ولرؤية الناقد للنص لينتقل إلى ربط الدراسات السردية بالتأويليات، سعيا إلى كشف المضمرات المؤسسة للرواية العربية، والعلاقة الشائكة بين الأنا والآخر.
وفي المداخلة الثانية التي قدمتها الباحثة حنان الزكري في موضوع: “الأنواع السردية عند الناقد شعيب حليفي: الرواية والرحلة أنموذجين”. أكدت الباحثة في بداية مداخلتها أن حليفي بصم الساحة الأدبية المغربية والعربية بأعمال روائية، ودراسات نقدية، وحضور دائم في الأنشطة العلمية الأكاديمية والثقافية العربية والمغربية. وركزت في مداخلتها على التجربة النقدية للناقد من خلال الاشتغال على كتابين هما: “شعرية الرواية الفانتاستيكية” “والرحلة في الأدب العربي، التجنيس، آليات الكتابة، خطاب المتخيل”. بتحديدها للسياق العام المؤطر للكتابين، والقضايا الأساس التي وجهت البحث في موضوع الفانتاستيك وتجليات الخطاب الفانتاستيكي في الرواية العربية، ثم بالوقوف المنهج والموضوع في كتاب الثاني والمفاهيم الإجرائية التي اعتمدها الناقد في قراءة ومقاربة الأشكال الرحلية العربية وخطاب المتخيل فيها.
وقدم المداخلة الأخيرة في الجلسة الأولى الباحث محمد نور بنحساين مقاربا الخطاب النقدي عند أحمد اليبوري؛ مؤكد على أن الغاية من ورقته هو فتح أفق للتفكير في النقد العربي والمغربي الحديث، وخاصة عند الناقد أحمد اليبوري ومجايليه من النقاد المغاربة، وذلك من خلال مساءلة قضية التكون والبناء في الرواية العربية، كما اشتغل عليها اليبوري، ووقف الباحث على استقصاء المرجعيات النقدية النظرية والتطبيقية للمشروع النقدي لأحمد اليبوري. وخلص إلى أن أهمية ما قدمه اليبوري، لِتَكَوُّنِ الرواية العربية يتحدد في أربعة عناصر رئيسة: مؤسسة الرواية: كمدخل تفكيري ممنهج ساهم في توجيه الإبداع وساهم في تغيير مساره؛ المكون اللغوي:كبنية ثقافية جديدة ومتجددة، تحكمها تحولات المجتمع، وانفتاحه الفكري على الغرب؛
المتخيل الروائي: كعنصر أساس في تمثيل الحياة الاجتماعية والواقع المعيش، وتصوير تناقضاته وغرائبه؛
المثاقفة:كمبدأ تكويني أساس، ساهم في إنتاج نسق فكري نشأ من تجانس المفاهيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
الجلسة الثانية نسق أشغالها الباحث محمد نور بنحساين وركزت المداخلة الأولى التي قدمها محمد العري بعنوان “قضايا الخطاب النقدي العربي الحديث واستراتجياته البلاغية” على إبراز القضايا التي استأثرت باهتمام الناقد عبد الله إبراهيم والاستراتجيات الحجاجية التي استند إليها خطابه النقدي لإقناع المتلقي بأطروحته، ومن أهم هذه القضايا أورد الباحث؛ قضية ريادة الرواية العربية، والرؤية الوجودية للكون، وقضية الأصول الشفوية للسردية العربية؛ وركز الباحث في مقاربته على التوسع في مناقشة مسألة الشفوية .
ووصف الباحث خالد البراهمي في ورقته المعنونة “من الخطاب إلى النص”؛ المشروع النقدي لسعيد يقطين بالترابط والتكامل والسعي الجاد إلى الرقي بالنقد الأدبي نحو العلمية، جاعلا من السرديات أرضية صلبة للبحث المستمر عن اقتراح تصور شامل لدراسة النص السردي العربي بوصفه بنية منفتحة. ومن خلال نهج خاصية التتابع والاستمرارية والمراكمة مما يجعل من خطابه النقدي مشروعا نقديا. وأشار الباحث بأن يقطين استفاد من الأدبيات السردية بتنوع مشاربها لتعميق أسئلة القراءة وتحديد موضوع النظرية السردية بطموح علمي يزاوج بين التنظري والتطبيق في محاولة للتأسيس لفكر نقدي عربي، واستنادا إلى هذا الإطار سعى الباحث إلى الوقوف على المفاهيم المركزية والأدوات الإجرائية التي تشكل عماد المشروع النقدي لسعيد يقطين.
واعتبر الباحث عبد اللطيف الحياني من خلال ورقته الموسومة بالنقد السردي عند محمد برادة، الناقد المغربي محمد برادة مؤسسا للنقد الأدبي بالمغرب إلى جانب عدد من الأسماء النقدية في الجامعة المغربية من خلال ترجماته ومؤلفاته النقدية المتابعة للرواية العربية على امتداد نصف قرن من الزمن، واعتبر الباحث نقد برادة نقدا يستوعب المناهج النقدية ويوظفها بمرونة تسمح للجمع بين المرجعيات والمفاهيم إمكانا نقديا منتجا.
واختتم اللقاء بمناقشة واسعة للأوراق النقدية المقدمة وإشادة بها، وبهذا العمل التأطيري الذي يروم منح الطالب الباحث مجالا لمناقشة أفكاره ومعارفه وأوراق النقدية.