جريدة الأنباء و الفنون

الفضاءات التراثية بالمدينة العتيقة بتطوان: دعامة أساسية في تحديد الهوية المجالية (1)

د. نورالدين أشبون / متخصص في قضايا التراث بجامعة عبد المالك السعدي

ترمي هذه المقالة التي تمت على الفضاءات التراثية بالمدينة العتيقة بتطوان إلى تسليط الضوء، على أهمية هذا العنصر التراثي-الفضاءات التراثية-كتراث ثقافي لامادي، ودورها الطلائعي في تحديد الهوية المحلية والمجالية. حيث تعتبر المدينة العتيقة بجماعة تطوان، خزانا تاريخيا بامتياز، وملتقى حضارات شتى أبرزها الحضارة الأندلسية والأمازيغية والعربية… مما ساهم في بناء نسيج من المرافق العمومية والخاصة ذات طابع ثقافي فريد. كان سببا في انصهار مجموعة من الثقافات، لتخلف بالتالي زخم كبير على مستوى التراث الثقافي اللامادي، متمثلا في مختلف الطقوس والممارسات الإنسانية في هذه الفضاءات. لكن يبقى الإشكال المطروح هو تثمين هذا العنصر التراثي، والحفاظ عليه من كل أشكال الاندثار والضياع سواء كميا أو نوعيا. وذلك عن طريق حلول عاجلة تهدف ترميم ما يمكن ترميمه في هذه الفضاءات التراثية في إطار إرجاع الاعتبار للتراث الثقافي اللامادي بالمدينة العتيقة بتطوان.

 الكلمات المفتاحية: التراث الثقافي اللامادي، الفضاءات التراثية، المدينة العتيقة بتطوان.

مقدمة

يساهم التراث الثقافي اللامادي في التماسك الاجتماعي، ويحفز الشعور بالانتماء للوطن الأمر الذي يقوي عند الفرد هذا الشعور بالانتماء إلى مجتمع محلي واحد، وبالتالي الانتساب إلى المكان أو الفضاء الذي يمارس فيه كل طقوسه وممارسات اليومية. ويبقى اللبس في انتماء الفضاءات الثقافية للتراث الثقافي اللامادي، خصوصا بعد أن وضعت منظمة اليونسكو قائمة لتصنيف الساحات والفضاءات العمومية، ولتوضيح هذا فإن الفضاء الثقافي مادي بجدرانه وبناياته ومكوناته المادية، ولامادي بكل ما يمارس فيه من أنشطة وممارسات مكونة للحياة المعيشة فيه، والتي هي تحديد ضمني لهوية مستعملي هذا الفضاء، سواء أكان فضاء صناعيا كدور الدباغة والأحياء الحرفية، أو فضاء تجاري كالأسواق الأسبوعية، أو فضاء اجتماعي ديني كالجوامع والأضرحة…وهكذا نجد الفضاء الثقافي تراثا معنويا لامادي بمحتواه من خلال ما يعاش فيه، بكل تفاصيله وجزئياته[1]، وهذا ما يؤكد أن وجود الإنسان ارتبط بالمجال، فبالتالي كان لابد أن يكون ذلك التجاوب الحاصل بين المكوينين -المجال والإنسان-هو نتاج وثمرة تفاعل اجتماعي وثقافي يولد هوية معينة، وبالتالي فإن الفضاءات الثقافية وما يرتبط بها من آلات وأدوات مرتبطة بالنشاط الإنساني تعتبر تراثا ثقافيا لا ماديا أيضا.

1 طقوس الحمامات التراثية بتطوان

الحمامات العامة، من الفضاءات العمومية المعروفة في الوسط التطواني يرتادوها السكان2 بشكل مستمر. وقد اشتهر الأندلسيون بها وأعطوها قيمة كبرى على اعتبار أن النظافة من شيم المسلمين. “حيث يغتسل فيها عموم السكان مقابل أجر محدد، وهي تعمل بالتناوب بين النساء والرجال، حيث عادات سكان تطوان في الارتفاق بالحمامات أن تستعمل من طرف النساء في أوقات معينة، ومن طرف الرجال في الأوقات المخالفة”[2]. وتقسيمها الداخلي يتكون من خمس مرافق أساسية (جدول 1).

 

يسهر على تدبير أمور الحمامات الداخلية طاقم تقني، موجود في كل الحمامات عمال يشتغل كل واحد منهم حسب تخصصه وحرفته.

الحمامات في تطوان تعرف نشاطا كبيرا أيام الخميس والسبت، وأيام العطل وفي المناسبات الدينية. وإلى حدود ثلاثينات القرن الماضي كانت بتطوان خمسة حمامات فقط وهي:

  • حمام السوق الفوقي الذي بناه النقسيس.
  • حمام أمحلي بالساقية الفوقية.
  • حمام مدينة بحي المطامر.
  • حمام العيون الذي بناه أحد قضاة عائلة بن قريش.
  • حمام سيدي المنضري بحي البلد وقد بناه سيدي المنضري.

كل هذه الحمامات مازالت تعمل لحد الساعة بنفس النظام والتدبير الداخلي، وقد بنيت حمامات عامة تقليدية أخرى بالمدينة العتيقة وخارجها. من بين الحمامات التي بنيت داخل المدينة العتيقة حمام الرهوني، حمام طنانة وحمام الوطية، أما خارج المدينة العتيقة نجد كل من حمام “سيدي طلحة”، حمام “الروبيو” في حي “التوتة” بالقرب من “سانية الرمل” وحمام “بلجيكا” بحي “الباريو” وغيرها. ويتميز الحمام بكونه أحد أنماط المباني الخاصة جدا التي تسمح لكم كبير من الماء يتخلل أنظمته المعمارية والإنشائية، الأمر الذي يجعله دائما عرضة لتدهورها ومواد بنائه، ويحتم ذلك تفعيل برنامج دوري للصيانة، وأية محاولة لفصل الماء عن الحمام بغرض الحفاظ على المبنى، هو فصل الروح عن الجسد الحي، وبالإضافة إلى ذلك تتعرض أنظمة المبنى وخاصة في المناطق الدافئة والساخنة منه لتباين شديد في درجات الحرارة والرطوبة النسبية بداخل الفراغات وخارجها، هذا الاختلاف البيئي يُعجلِ بنسبة تكثيف البخار في صلب مواد البناء وبالتالي يؤدي إلى تفككها وتدهورها.

 

تجدر الإشارة إلى أن الحمامات التقليدية قد تعرضت لتدهور سريع في استخدامها، بالنظر لما تتطلبه هذه المباني من عناية وصيانة فائقتين ومكلفتين، وكذلك لموقع هذه الحمامات في المناطق التاريخية المهملة، التي يسكنها في غالب الأمر فقراء المجتمع الأمر الذي حال دون توفير العائد المادي لوقايتها من التلف[7]. ونظرا لازدياد الطلب من قبل الفئات الاجتماعية على توفير الحمامات التقليدية، واحتياج الكثير من الأفراد للخدمات المختلفة التي تميز الحياة المدنية المعاصرة، فقد ظهرت أنماط وأشكال حديثة من هذه الحمامات، إلا أنها لا تلتزم بخصائص ومواصفات الخدمات التي تقدم في الحمامات التقليدية.

مادة إعلانية

 

 

يُتبع…

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: استغلال شخصي لمعطيات البحث الميداني 2020

-2نظام الفنادق التاريخية بمدينة تطوان

تتركز بمختلف أحياء المدينة العتيقة كما في الحي العصري (الإنسانشي) فضاءات عمومية تعرف بالفنادق جمع فندق، وهي عبارة عن مبنى تتوسطه ساحة كبيرة، يخصص الطابق العلوي للوافدين له، والساحة للدواب من حمير وبغال وغيرها أما الدكاكين الموجودة به للبضائع والسلع التي يشترها الوافد أو التي يبيعها. فمنها من يخصص لتجار الدواب ومنها ما يخصص لتجار المواد الفلاحية ومنها للصناع والحرفيين ونحو ذلك. أغلب الفنادق في تطوان تم بناءها في القرن 18 الميلادي، واستمرت في تأدية دورها إلى حدود ستينات القرن الماضي. وقد شهدت هذه الفضاءات أغلب المعاملات التجارية وحتى الصناعية التي كانت تعرفها مدينة تطوان باعتبار أنه المكان الوحيد بعد الزوايا والمقامات الشريفة واسقالة التي يلج لها أغلب التجار والصناع الوافدين، من أجل شراء المنتوجات المنتجة في مدينة تطوان أو بيع المنتوجات، فهذا الفضاء الشعبي والعمومي اليوم انعدم دوره نظرا للتقدم الكبير التي عرفته دور الإيواء بمختلف أنواعها. ولكن رغم ذلك تضل الفنادق جزءا من ذاكرة المدينة الحية في فترات تاريخية مهمة، شهدت ازدهار تجاري وصناعي للمدينة، وتوثق لنمط عيش السكان في فترة زمنية. ففي دول كإسبانيا أصبحت هذه الفنادق متاحف يزورها السياح بكميات كبيرة بل لها زوارها الخاصين باكتشاف مثل هذه الفضاءات التراثية، أو مستمرة في أداء دورها الإيوائي أو مركز لإيواء الدواب التي تستعمل وسط المجال الحضري. في مدينة تطوان للأسف غابت خصوصية ومميزات الفنادق بشكل نهائي كما غابت كل الممارسات والحياة المعيشة فيها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: استغلال شخصي لمعطيات البحث الميداني 2020

جدول4 : جرد الفنادق المتواجدة بالمدينة العتيقة
اسم الفندق موقعه
فندق الخصة السوق الفوقي
فندق السراير بين باب المقابر والسوق الفوقي
فندق الغرباوية الطرانكات
فندق بايص بين باب النوادر وحي العيون
فندق الوطية باب التوت
فندق المطمر المطامر
فندق المصمودي

 

بالقرب من ساحة الفدان
فندق اللبادي المصلى القديمة
فندق القريشي السوق الفوقي
فندق القاعة

 

بالقرب من سوق الحوت

 

فندق الفاسي باب النوادر
المصدر: من إنتاج الباحث بالإعتماد على البحث الميداني

[1]-مايك كرانغ (2008) “الجغرافيا الثقافية -أهمية الجغرافيا في تفسير الظواهر الإنسانية”-ترجمة سعيد منتاق، مجلة المعرفة العدد 317 ص50.

[2]– الرامي خالد) 2005(“تطوان خلال القرن الثامن عشر تاريخ وعمران”، الطبعة الأولى، مطبعة الخليج العربي، ص 134.

[3]-الميضات جمع ميضة هي مكان الوضوء.

[4]– داود محمد (2016) “التكملة ذيل لكتاب تاريخ تطوان (في خطط المدينة وسكانها وحياتها الاجتماعية)” مراجعة وتحقيق وإضافات حسناء محمد داود، مطبعة الخليج العربي. ص 166.

[5]-الفرناتشي: هو الفرن الذي يكون تحت السخون من أجل تسخين الماء.

[6]-داود محمد (2015) التكملة…مرجع سابق، ص 167.

[7]-الحبشي علاء (2014) الحمامات التاريخية بين الحماية وإعادة التأهيل، مجلة إنسانيات التابغة لمركزالأبحاث الأنتروبولوجية والإجتماعية والثقافية، تاريخ النشر (2016) ص2.