العقوبات البديلة في التشريع الجنائي المغربي
عمر المودن/طالب باحث في العلوم الجنائية والأمنية
مقدمة:
يراد بالعقوبة، أنه الجزاء الذي يقرره القانون لمصلحة المجتمع تنفيذا لحكم قضائي على من ثبتت مسؤوليته عن الجريمة ليصيب به المتهم في شخصه أو ماله أو شرفه.
وقد أبانت العقوبات السالبة للحرية عجزها في مكافحة الإجرام و الجريمة سيما في الجرائم قصيرة المدة، الأمر الذي حدا بالتشريع الجنائي المغربي لإيجاد نظام قانوني بديل يتمثل في بدائل العقوبات السالبة للحرية، و قد عرفها بعض الفقه بأنها” الجزاءات الأخرى التي يضعها المشرع أمام القاضي لكي تحل بصيغة ذاتية أو موازية محل العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة”.
إذ تكمن الأهمية القصوى لبدائل العقوبات السالبة للحرية في النتائج و الأثار المترتبة عنها و التي من شأنها حل إشكالية اكتضاض السجون و عدم إرهاق ميزانية الدولة ، و كذا وقاية مرتكبي الجرائم البسيطة قصيرة المدة من عيش تجربة السجن و ذلك بالنظر لما تخلفه هذه الأخيرة من تأثير نفسي و اجتماعي على السجين، خاصة في ما يتعلق بإعادة إدماجه داخل المجتمع.
ووعيا بالمشرع المغربي بأهمية هته البدائل، فقد أحاطها بترسانة قانونية من خلال الفصول 1-35 إلى 14-35 من مشروع القانون الجنائي الجديد، كما أضاف من خلال الفصل 14 من مشروع القانون الجنائي ، على أن العقوبات تكون إما أصلية أو بديلة أو إضافية، أما في ما يتعلق بكيفية تنفيذ العقوبات البديلة فقد أطرها المشرع المغربي من خلال المواد 1-647 إلى 22-647 من مشروع قانون المسطرة الجنائية.
و يثير موضوعنا إشكالية في غاية الأهمية مفادها:
إلى أي حد تمكن المشرع المغربي من خلق عقوبات بديلة تساهم في تحقيق مقاصد السياسة العقابية.
خطة البحث:
المحور الأول: العقوبات البديلة كمفهوم جديد لأنسنة العقوبة.
المحور الثاني: الجهات المخولة لها صلاحية تنفيذ العقوبات البديلة.
المحور الأول: العقوبات البديلة كمفهوم جديد لأنسنة العقوبة.
عرف لنا المشرع المغربي العقوبات البديلة من خلال الفصل1-35 من مشروع القانون الجنائي بأنها” العقوبات التي يحكم بها بديلا للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجلها خمس سنوات حبسا نافذا”، و استثناءا لهته القاعدة فلا يحكم بالعقوبات البديلة في حالة معاودة ارتكاب المجرم لنفس الفعل، ” لا يحكم بالعقوبات البديلة في حالة العود” ، كما لا يحكم بالعقوبات البديلة في حالة ارتكاب الجاني لإحدى الأفعال المنصوص عليها في الفصل 3-35، و المتمثلة في :
– الجرائم المتعلقة بأمن الدولة و الإرهاب، الاختلاس أو الغدر أو الرشوة، غسل الأموال، الجرائم العسكرية، الإتجار الدولي في المخدرات، الإتجار في المؤثرات العقلية، الإتجار في الأعضاء البشرية، الإستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة.
و قد حدد لنا المشرع المغربي العقوبات البديلة من خلال الفصل 2-35، و المتمثلة في:
– العمل لأجل المنفعة العامة – المراقبة الإلكترونية – تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية – الغرامة اليومية.
1- العمل لأجل المنفعة العامة: يقصد بها العقوبة التي تصدرها جهة قضائية مختصة تتمثل في قيام الجاني بعمل يعود بالفائدة على المجتمع تكفيرا عن الخطأ الذي صدر منه دون أن يتقاضى أجرا على ذلك العمل و ينجز لمدة تتراوح بين 40 إلى 3600 ساعة، كما أضاف الفصل 7-35، بأنه يلتزم المحكوم عليه بتنفيذ عقوبة العمل من أجل المنفعة العامة في أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ صدور المقرر، و أمكن تمديد هذا الأجل لمدة مماثلة مرة واحدة بقرار صادر عن قاضي تطبيق العقوبات، بناء على طلب المحكوم عليه أو بطلب من دفاعه أو ممن له مصلحة في ذلك.
كما يراعى في العمل، الجنس و سن و حرفة المحكوم عليه، أما إذا تعلق الأمر بقاصر فوجب على قاضي الأحداث أن يتأكد من مدى ملاءمة العمل لأجل المنفعة العامة مع القدرة الجسدية للحدث و مصلحته الفضلى و لحاجيات تكوينه و إعادة إدماجه.
كما أضاف الفصل 9 -35 من م.ق.ج، على أن الدولة تتحمل مسؤولية الأضرار التي تسبب فيها المحكوم عليه و التي لها علاقة مباشرة بتنفيذ عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة، و يحق لها الرجوع على المحكوم عليه للمطالبة بما تم أداؤه.
2- المراقبة الإلكترونية: يراد بها، إلزام المحكوم عليه بالإقامة في مكان سكنه أو محل إقامته ، خلال أوقات محددة ، ويتم التأكد من ذلك من خلال متابعته عن طريق وضع جهاز إرسال على يده ، يسمح لمركز المراقبة من معرفة ، ما إذا كان المحكوم عليه موجودا أم لا في المكان والزمان المحددين ، من قبل الجهة القائمة على التنفيذ ، و قد عالج لنا المشرع المغربي المراقبة الإلكترونية من خلال الفصل 10-35 من مشروع القانون الجنائي، بحيث جاء في مضمون الفصل أنه يتم تحديد مكان و مدة المراقبة الإلكترونية من طرف المحكمة مراعية بذلك خطورة الجريمة و الظروف الشخصية و المهنية للمحكوم عليه، و سلامة الضحايا، و عدم المساس بالحقوق الشخصية للأشخاص المتواجدين رفقته.
3- تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية: تكمن لنا العبرة من بديل هته العقوبة، اختبار المحكوم عليه للتأكد من استعداده لتقويم سلوكه و استجابته لإعادة الإدماج داخل المجتمع.
و أضاف الفصل 12-35 من مشروع القانون الجنائي، للعقوبات التي يمكن للمحكمة أن تحكم بها بعقوبة واحدة أو أكثر و هي كالتالي:
* مزاولة المحكوم عليه نشاطا مهنيا محددا أو تتبعه دراسة أو تأهيلا مهنيا محددا.
* إقامة المحكوم عليه بمكان محدد و التزامه بعدم مغادرته، أو بعدم مغادرته في أوقات معينة، أو منعه من ارتياد أماكن معينة، أو من عدم ارتيادها في أوقات معينة.
* فرض رقابة يلزم بموجبها المحكوم عليه، بالتقدم في مواعيد محددة، إما إلى المؤسسة السجنية و إما إلى مقر الشرطة أو الدرك الملكي أو مكاتب المساعدة الإجتماعية.
* التعهد بعدم التعرض أو الاتصال بالأشخاص ضحايا الجريمة بأي وسيلة كانت.
* خضوع المحكوم عليه لعلاج نفسي أو علاج ضد الإدمان.
كما يلتزم المحكوم عليه بتنفيذ هته العقوبات، داخل أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ صدور المقرر التنفيذي، و يمكن تمديد هذا الأجل لمدة مماثلة مرة واحدة، بناء على طلب المحكوم عليه أو من له مصلحة بذلك، بقرار صادر عن قاضي تطبيق العقوبات.
4- الغرامة اليومية: عرف لنا المشرع المغربي الغرامة اليومية، بأنها بديلا للعقوبة الحبسية، و تتمثل في مبلغ مالي تحدده المحكمة عن كل يوم من المدة الحبسية المحكوم بها، و أضافت المادة على أنه يمكن الحكم على الأحداث بالغرامة اليومية في حالة موافقة نائبهم الشرعي أو من يمثلهم، و استثناءا لا يحكم بعقوبة الغرامة اليومية، إلا بعد الإدلاء بما يفيد وجود صلح أو تنازل صادر عن الضحية أو ذويه أو قيام المحكوم عليه بتعويض أو إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة.
و بالرجوع للفصل 15-35 من نفس القانون، نجد على أن مبلغ الغرامة اليومية محدد بين 100 و 2000 درهم عن كل يوم من العقوبة الحبسية المحكوم بها، و تراعي المحكمة في ذلك الإمكانيات المادية للمحكوم عليه و تحملاته المالية و خطورة الجريمة المرتكبة و الضرر المترتب عنها، و يلتزم المحكوم عليه في أداء هذا المبلغ في أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ صدور المقرر التنفيذي، و يمكن تمديد هذا الأجل لمدة مماثلة مرة واحدة بقرار صادر عن قاضي تطبيق العقوبات.
المحور الثاني: الجهات المخولة لها صلاحية تنفيذ العقوبات البديلة:
خص المشرع المغربي لإجراءات تنفيذ العقوبات البديلة لمؤسسة قاضي تطبيق العقوبات، و ذلك من خلال جميع المنازعات المتعلقة بتنفيذ العقوبات البديلة أو وضع حد لتنفيذها أو إصدار جميع القرارات و الأوامر المتعلقة بها، بعد التوصل بمستنتجات النيابة العامة، و أطر المشرع المغربي لإجراءات تنفيذ العقوبات البديلة من خلال المواد 1-647 إلى 22-647 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، و سنقوم بالتفصيل في كل عقوبة بديلة على حدة:
1- تنفيذ عقوبة العمل من أجل المنفعة العامة: بالرجوع للمادة 5-647 من مشروع قانون المسطرة الجنائية نجدها تنص على أن النيابة العامة تحيل داخل أجل 5 أيام من صدور حكم المحكمة القاضي بتحديد العقوبة البديلة ملف المحكوم عليه إلى قاضي تطبيق العقوبات، من أجل إصدار مقرر يقضي بتنفيذ عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة، أما إذا كان المحكوم عليه معتقلا، فيتم الإفراج عنه بمجرد توصل المؤسسة السجنية بمقرر قاضي تطبيق العقوبات، كما يمكن لقاضي تطبيق العقوبات أن يأمر بعرض المحكوم عليه على خبرة طبية لفحصه و تقديم تقرير عن حالته الصحية من أجل اختيار طبيعة العمل الذي يناسب حالته البدنية.
كما يمكن لقاضي تطبيق العقوبات أن يقوم بزيارات تفقدية للمحكوم عليهم الذين يقضون عقوبات العمل لأجل المنفعة العامة، إما تلقائيا أو بناء على ملتمس النيابة العامة، كما يمكن لهذا الأخير أن يكلف موظفين في كتابة الضبط أو أحد المساعدين الاجتماعيين بمكتب المساعدة الاجتماعية، للقيام بالزيارة و إعداد تقرير بشأنها
وفي حالة عدم تنفيذ أو إخلال المحكوم عليه بالالتزامات المحددة له، أمكن لقاضي تطبيق العقوبات إصدار مقرر لوضع حد لهته العقوبة، و تطبق حينها في حق المحكوم عليه العقوبة الحبسية الأصلية، و ذلك بعد خصم عدد الساعات المنفذة.
2- تنفيذ عقوبة المراقبة الإلكترونية: نصت المادة 11-647 من مشروع قانون المسطرة الجناية، على أن المراقبة الإلكترونية تتم بواسطة قيد الكتروني يوضع بمعصم المحكوم عليه أو ساقه أو على جزء آخر من جسده، بشكل يسمح برصد تحركاته داخل الحدود الترابية المحددة له، كما يمكن وضع الحدث تحت هذا التدبير بحضور وليه أو المقدم عليه أو وصيه أو كافله أو حاضنه أو الشخص المعهود إليه برعايته.
تلتزم الإدارة المكلفة بالسجون برصد و تتبع حركات و تنقلات الشخص الخاضع للمراقبة الإلكترونية، كما تحرر تقارير عن تتبع و تدبير عملية المراقبة الإلكترونية و ترفعها إلى قاضي تطبيق العقوبات كلما دعت الضرورة إلى ذلك، و توجه نسخة منها إلى النيابة العامة
كما يعاقب كل شخص أخل عمدا بالالتزامات المفروضة عليه أو تخلص بأي وسيلة كانت، من الأجهزة أو الأدوات المستعملة في المراقبة أو قام بإتلافها أو تعييبها بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر و غرامة من 2000 إلى 5000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
3- تنفيذ عقوبة تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية:
نصت المادة 15-647 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، على أن قاضي تطبيق العقوبات يأمر بإطلاق سراح المحكوم عليه المحكوم عليه بعقوبة تقييد الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية بمجرد صيرورة الحكم الصادر في حقه مكتسبا لقوة الشيء المقضي به، و يلتزم المحكوم عليه بالمثول أمام قاضي تطبيق العقوبات داخل أجل أقصاه أسبوع، من تاريخ تبليغه للمقرر النهائي الصادر في حقه أو من تاريخ الإفراج عنه.
كما يلتزم المحكوم عليه بالإدلاء للإدارة المكلفة بالسجون بما يفيد تنفيذه أو استمراره في تنفيذ التدابير الرقابية أو العلاجية أو التأهيلية المحكوم بها عليه، و ذلك وفق البرمجة الزمنية المحددة له، و تحال نسخة منها إلى قاضي تطبيق العقوبات المختص، و في حالة رصد إخلال المحكوم عليه بتنفيذ عقوبة تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية أو بالإلتزامات المحددة له من قبل قاضي تطبيق العقوبات، يصدر هذا الأخير أمرا بتطبيق المحكوم عليه للعقوبة الحبسية الأصلية الصادرة في حقه.
4- تنفيذ عقوبة الغرامة اليومية: نصت المادة 18-647 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، على أن مبلغ الغرامة اليومية يؤدى دفعة واحدة، غير أنه يمكن لقاضي تطبيق العقوبات أن يأذن بتقسيط أدائها داخل الآجال المحددة في الفصل 15-35 من هذا القانون، و لا تحسب مدة الاعتقال الذي قضاها المحكوم عليه عند تحديد مبلغ الغرامة اليومية الواجب أداؤها.
كما يلتزم المحكوم عليه بالإدلاء بما يفيد أداء الغرامة اليومية أو تنفيذه أو استمراره في التنفيذ، و ذلك وفق الجدولة الزمنية المحددة من قبل قاضي تطبيق العقوبات، و في حالة إخلال المحكوم عليه بتنفيذ الغرامة اليومية يصدر قاضي تطبيق العقوبات مقررا بتطبيق المحكوم عليه للعقوبة الحبسية الأصلية الصادرة في حقه، و التي خصم منها عدد الأيام التي أديت غرامتها.
و وجب الإشارة في الأخير على أن المحكوم عليه الذي ينفذ العقوبة البديلة يستفيد من رد الإعتبار القضائي بعد مرور سنة من تاريخ تنفيذها، أما في ما يتعلق برد الإعتبار القانوني، فيستفيد منه المحكوم عليه و ذلك بعد انتهاء فترة الإختبار مدتها سنتان تحتسب من تاريخ تنفيذ العقوبة البديلة.
خاتمة:
تعد العقوبات البديلة من بين الحلول المقترحة و الناجعة والتي ستساهم لا محالة من التخفيف من مشكل اكتضاض السجون، كما سيكون لها دور في التخفيف من المصاريف التي تنفقها الدولة على السجناء من جهة، و من جهة أخرى فالهدف الأساسي من بدائل العقوبات هو إعادة إدماج المجرمين اجتماعيا و ذلك عن طريق تطبيق برنامج إصلاحي، علاوة على ذلك فالزج بالمجرم في السجن في جرائم قد تكون بسيطة يؤدي إلى تغيير نظرته لمحيطه الإجتماعي الذي ينظر إليه نظرة دنيوية، فتتسرب ثقافة السجن في سلوكه، فيصبح الإجرام عنده في النهاية حالة عادية، فهنا تكمن لنا أهمية هته العقوبات البديلة في إعادة إدماج المحكوم عليه داخل المجتمع.