أسالت قطع الشباكية المعسلة لعابه عندما مر ببائعها وهو عائد من المدرسة، إن منظرها الهرمي وقد صففت بعناية في صحن كبير والنحل يحوم حولها ويلعق عسلها جعله يهرع إلى البيت باحثا عن النقود بعد أن تحسس جيبه الفارغ وتذكر أن مصروفه الأسبوعي( درهمين ) قد أتى عليه صاحب الزريعة السوداء، ولكن لا بأس فهو الفتى الحاذق ولن تعوزه الحيلة في الحصول على بعض النقود بطريقة أو بأخرى..
توجه إلى البيت مسرعا وهو يجر “برغاطته” Alpargata البلاستيكية ويمسك بالطرف الأعلى من سرواله الذي حزمه على خصره بشريط النيلون. كان يتفحص الغادين والرائحين، ويمسح بين الفينة والأخرى ما يسيل من أنفه بطرف كم قميصه الذي تتوسطه علامة أديداس كان قد أهداه إليه عمه المقيم في لندن.
دخل إلى البيت مسرعا، نادى على أمه لكنها لم تجب، يبدو أنها خرجت عند إحدى جاراتها أو ربما صعدت إلى السطح لنشر الغسيل، اتجه مباشرة إلى غرفة أبيه، كان الحظ حليفه هذه المرة وها هو يرى سروال أبيه معلقا على مسمار خلف باب الغرفة، أدخل يده في جيب السروال وأخرج أوراقا نقدية من فئة عشرة دراهم، أعدها فوجدها عشرة بالتمام والكمال، أخذ واحدة منها وتأمل في صورة الملك الراحل وهي تتوسطها، دس ورقة نقدية في جيبه وأطلق ساقيه للريح قاصدا بائع الشباكية.
إنه الآن أمام الصينية وعيناه على قطع الحلوى المفضلة لديه، اكتنفه شعور بالفرح وهو يلتهم ست قطع منها وغرق في ابتهاج جارف ثم انطلق عائدا إلى البيت وهو يتلذذ بحلاوة الشباكية التي تدغدغ فمه وقد تعمد إبقاء بعض قطعها الصغيرة بين أضراسه لينعم بحلاوتها أكثر فأكثر. فجأة تنبه إلى أمر مهم جدا.. ماذا لو اكتشف والده أمر الورقة النقدية المفقودة؟؟؟ فكر مليا كيف يفلت من هذه الورطة واهتدى إلى حل كأنه نزل عليه من السماء من غير حول منه ولا قوة، إذ لمح مجموعة من الأطفال منهمكين في لعبة القمار، فأسرع إليهم وهو يمني نفسه بتعويض ما فقده من مال، انهمك في اللعبة بكل جوارحه، لكنه خسر ما تبقى في جيبه من دريهمات.
عاد إلى البيت وتسلل إليه مرة أخرى ودس يده في جيب سروال أبيه للمرة الثانية وأخذ ورقة نقدية أخرى وأسرع إلى أصدقائه المقامرين وهو متيقن أن الحظ سيكون حليفه هذه المرة، ولكن المحاولة باءت بالفشل ولم تعد له من حيلة إلا الرجوع إلى البيت وهو يجر أذيال الخيبة كما يجر “برغاطته” البلاستيكية.
كان قلبه يخفق بشدة وهو يستمع إلى أمه تحدث أخته الكبرى عن والده الذي فقد بعض المال من جيب سرواله ولم يعرف الفاعل، جف حلقه وارتعدت فرائصه وهو يرى والده يدخل إلى البيت، حدق فيه والشرر يتطاير من عينيه ثم هزه من ثيابه ورفعه رفعا وهو يعالجه بصفعة قوية رأى بعدها نجوم الليل والنهار بل وجميع الكواكب تتراقص أمامه، كان والده يردد: ” شفار وقمار يا قليل التربية والحيا”، لقد أخبرني بْويليلا بأنه رآك وأنت تلعب القمار مع أصدقاء السوء أولئك. ورغم أنه كان عصي الدمع شيمته الصبر إلا أنه لم يستطع الصمود أمام الصفعات فبدأ بالصراخ: ” أنا مزااااوك فيك أبابا والله مانعاود..
في آخر الليل انزوى في فراشه بعد أن حُرم من وجبة العشاء وهو يكفكف دموعه التي اختلطت بسيلان أنفه و كاد أن يلعن الحظ الذي تآمر على حلمه الحلو الذي صار مرا لولا أن قطعة من الشباكية كان يحتفظ بها في جيبه وضعها في فمه وشرع يمتصها بلسانه وهو يردد : اممممممم مذاقها لذيذ جدا وحلاوتها تستحق هذه المحنة!..