تتعدد العلائق التي يبنيها الأطفال عادة مع المحيط و المحيطين منذ نعومة أظافرهم، فتجدهم مولعين بالأب على حساب الأم مثلا أو العكس، و قد تجدهم في علاقة مثالية مع أحد الأخوة دون غيره، و ربما تحظى الجدة أو الجد بهذا التميز في ربط أواشج المحبة و التواصل، و أحيانا أخرى قد يكون رفاق المدرسة أو الحارة أو أحد الأقرباء أو قَبوًا في المنزل أو رُكنًا من الأركان أو الحديقة الخلفية أو ربما شجرة سَرُوٍ وارفةٍ قبالة المنزل هي صاحبة الإهتمام و الشغف، و هلم جرا على كل ما يفلح الطفل في التفاعل معه بشكل كثيف رغبة منه في التموقع و أخذ حيز يُشعِرُهُ بذاتيته و تفرده.
تعد الحيوانات بدون شك أهم عنصر طبيعي يَستَلِبُ خُلدَ الأطفال و يشد بشكل بالغ انتباههم إليه، إذ تُعتَبَر الكائنات الحية الأولى التي تختلف عن البشر كما اعتادهم الصغير في المنزل، فَمَرَّةً تجده فَاغِرا فاه في عصفور مُلَوَّنٍ يقف على ناصية النافذة يملأ الفضاء زقزقة و تغريدا، و مرة لا ينفك يراقب كلبا منزليا ظريفا يجيء و يروح فيحاول لمسه و محادثته و الفضول إلى نظراته تشرده تشريدا، و هكذا يفعل مع حمار العم في الريف و دجاجات الخالة و حصان الجد و عنزة الجارة و قطط الحارة.
إنها عمليات استكشافية غاية في الأهمية سبقه إليها الإنسان البدائي الذي حارَ طويلا في طبيعة الكائنات الحية الأخرى التي تشاركه الوسط، و حار كذلك في طبيعة العلائق التي يجب أن يقيمها معها و التي تأسست تبعا لعمليات فرز و انتخاب و تدجين طويلة خلال الحقب التاريخية. أورثت شعورا بالأنس لدى النوع البشري لهذه الحيوانات معنويا ثم مع ما قدمته له من خدمات مادية جليلة.
يقول عز من قائل في سورة النحل: <<وَ الأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَ مَنَافِعُ وَ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَ لَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَ تَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7)وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغَالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَ زِينَةً وَ يَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8)>>.
تنعكس العلاقة بين الطفل و الحيوانات خاصةً بعض الأصناف الأليفة منها، كالقطط و الأرانب و الدجاج و الأحصنة و البط، بشكل مثير على الجانب النفسي أساسا إذ يكاد يجمع العلماء على أثر هذه الروابط في إكسابه شخصية هادئة و متزنة، و تخليصه من التوتر و القلق و التحفظ و مشاعر الخوف و الرهبة و الجبن، إذ أنه يحصل على إشارات إيجابية تعزز تموقعه في الفضاء الذي يعيش فيه بمختلف مكوناته من نبات و حيوانات و بشر، كما أنها تقيه على المستوى البعيد أزمات الاكتئاب و الانطوائية و العزلة و الجنوح إلى العنف و الصلف و الجفاء و القسوة، فالعناية بحيوان أليف تورث في النفس مشاعر الحنو و الرقة و الشفافية و تنمي بها نوازع الخير و الرأفة و الرحمة.
ثم إن القيام بواجبات إطعام و تنظيف و تطبيب و حماية هذا الحيوان بدافع الألفة و الحب، تعزز مشاعر المسؤولية و الواجب في نفس الأبناء و تدفعهم إلى التحلي بخصال الإلتزام و الانضباط و البذل.
يمكن أن يُقترَح على الأطفال بحسب تفضيلاتهم تربية القطط و الأسماك و الطيور كالحمام و الدجاج مثلا، لكونها سهلة العناية و لا يتسم التعامل معها بأي نوع من أنواع الخطورة، مع حِرصِ الآباء على عدم إذايتها و اتخاذ الطفل إياها لعبة، و كذا ابتغاء الأجر في العناية بها مُقتدين بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : “في كُلِّ كَبِدٍ رطبَةٍ أجرٌ”(متفق عليه).