جريدة الأنباء و الفنون

“الأدب الإفريقي المكتوب باللغة العربية”.. موضوع مؤتمر دولي

طلبة الدكتوراه بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان/ شؤون

نظمت شعبة اللغات، بتنسيق مع ماستر تحليل الخطاب وتدريسية المعارف الأدبية، بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان، مؤتمرا دوليا بعنوان”الأدب الإفريقي المكتوب باللغة العربية”، يومي 09 و10ماي 2023 بالمدرسة العليا للأساتذة، جامعة عبد المالك السعدي بتطوان.

الجلسة الافتتاحية

نسق أشغال الجلسة الافتتاحية الدكتور محمد نافع العشيري، إذ رحب بالضيوف الكرام، وأبرز أهمية الاهتمام بالأدب الإفريقي مشيدا بقصائد الشاعر محمد الفيتوري وهو يتغنى بإفريقيا جنوب الصحراء، بعدها منحت الكلمة للسيد مدير المدرسة العليا للأساتذة الدكتور زهير العمراني الذي أبرز سعادته بأن تحظى المدرسة العليا للأساتذة بمرتيل، بشرف تنظيم هذا المؤتمر الذي يسعى إلى خلق روافد وامتدادات للبحث العلمي في المجال الأفريقي، بما يسمح بخلق تعاون ثقافي بين المغرب وأفريقيا، تعاون يُمكِّن من تبادل المعارف والخبرات في المجالين الأكاديمي والتربوي، ومن خلق شراكات بيداغوجية وعلمية تكون في خدمة تجويد الفضاء الجامعي بين الجغرافيتين؛ تأطيرا وتكوينا. هذا بالإضافة إلى التفكير في قضايا مشتركة تهم الأدب بخاصة، والفكر الإنساني بعامة.

بعد ذلك أخذ الكلمة الدكتور يوسف الفهري رئيس شعبة اللغات الذي أبرز فيها أهمية هذا المحفل العلمي في خلق ديبلوماسية ثقافية بين المغرب وأفريقيا، مبينا سياقها التاريخي والسياسي والثقافي، مشيدا بأهمية المؤتمر في الإحاطة عما نغفله عن الأدب الأفريقي المكتوب باللغة العربية. بينما أبانت منسقة المؤتمر وماستر تحليل الخطاب وتدريسية المعارف الأدبية عن جدوى المؤتمر الدولي حول الأدب الأفريقي المكتوب باللغة العربية الذي يهدف إلى البحث عن العلائق الممكنة بين الأدبين العربي والأفريقي، مبرزة الامتدادات الثقافية التي نتجت عن الجوار الحضاري والجغرافي. كما أحاطت بأهم الجهود الفردية والمؤسساتية التي أسهمت في التعريف بهذا الأدب، وإعادة الاهتمام به في حقل الدراسات الأدبية العربية والمغربية، كما أكدت على ضرورة تسليط الضوء على الأدب العربي الأفريقي بمختلف أشكاله التعبيرية: الشعرية والنثرية بغاية استخلاص العلاقات والروابط التاريخية والثقافية بين شمال أفريقيا وجنوبها من جهة، وإبراز خصوصية الأدب الأفريقي جنوب الصحراء من خلال الوقوف على سماته البنيوية وقضاياه الموضوعاتية من جهة أخرى.

بعدها قدم الدكتور عبد الرحمان فادقا كلمة باسم الوفد الإفريقي مبينا سعادته بحفاوة الاستقبال وحسن التنظيم، كما أشاد بأهمية محور المؤتمر في إماطة اللثام عن الأدب الإفريقي المكتوب باللغة العربية، وأكد على إشكال عدم وصول الإنتاجات الإبداعية الإفريقية إلى عموم القراء مما دعاه إلى رغبته الملحة في خلق شراكات بين المؤسسات الجامعية من أجل البحث في تجليات الأدب الإفريقي.

اليوم الأول

ترأست أشغال الجلسة الأولى، التي وُسمت بعنوان “السرد الروائي الإفريقي: القضايا والأشكال”، الدكتورة سعاد الناصر التي أشارت إلى أهمية المؤتمر وتسليطه الضوء على الأدب الإفريقي المكتوب باللغة العربية؛ قدم الدكتور إبراهيم أزوغ المداخلة الأولى بعنوان “الاغتراب والتباس الهوية في رواية “سمراويت” للروائي الإيريتيري حجي جابر”، حيث وزع المداخلة إلى ثلاثة محاور؛ اهتم المحور الأول بالأدب الإفريقي المكتوب العربية شعرا أم سردا، واعتبر الرواية الإفريقية المكتوبة باللغة العربية، رواية لا تقل أهمية عن نظيرتها المكتوبة بلغة المستعمر.

وحدد في المحور الثاني مفهومي الاغتراب والتباس الهوية، وقدم في المحور الثالث منطلقا من المفهومين، قراءة ركزت على الاغتراب وتجلياته التي تكشف ازدواجية هوية الشخصية الرئيسة في الرواية والتباس هويتها، مؤكدا على أن لتناوب السرد في سرد حياة عمر بضمير متكلم مهيمن، في السعودية وفي إيريتيريا؛ في وطن بديل “السعودية” يعرف عنه كل شيء، ووطن أصل “ايريتيريا” يجهل عنه كل شيء، ويعود إليه بحثا عن الذاكرة والأصول، واعتبر الباحث الرواية في نهاية ورقته رواية بحث عن الأصول. وخلص إلى أن تعبير الرواية الإفريقية اهتمامها بقضايا، الاغتراب والتباس الهوية، بشكل عام انطلاقا من رواية حجي جابر يحتاج إلى بحث يوسع متن اشتغاله، وهي دعوة للباحثين إلى الاهتمام بالموضوع إلى جانب الاهتمام بالمشترك الإفريقي في الرواية.

وقدم المداخلة الثانية الموسومة بعنوان “الرواية التشادية المكتوبة باللغة العربية: قضايا إفريقية بأبعاد إنسانية عالمية” الدكتور بدر الحمري، تناول فيها نقطتين؛ ركزت النقطة الأولى على الكتابة بالعربية وعوائقها مثل ضيق الثقافة العربية بتشاد وصعوبة انتشار الرواية بسبب غياب المطابع ودور النشر وكذا العزلة والانقطاع عن العالم، فيما اعتنت النقطة الثانية بقضايا الرواية التشادية وامتداداتها الإنسانية في رواية “سندو” لآدم يوسف التي صنفها الباحث ضمن المدرسة الواقعية تعالج القضايا الاجتماعية والسياسية، والتي تصف الصراع بين الخير والشر، ويغلب عليها الموروث العربي الإفريقي والإسلامي أيضا. كما تتقاطع مع الرواية العالمية، حيث تهتم، بالإضافة إلى القضايا المحلية، بالقضايا العالمية، وتعبر عن المشترك الإنساني والقيم الإنسانية.

فيما قدمت المداخلة الثالثة الباحثة حنان الزكري، وجاءت بعنوان “المتخيل السردي في الرواية النيجيرية، تجربة آدم يحيى عبد الرحمن الفلاني أنموذجا، من خلال مقاربة عنصر المكان في المشروع السردي للكاتب كما تبلور في نصوص” راعي الغنم” “أهل التكرور ” “في الطريق” و”جامعة الأرواح”، وذلك عبر ثلاث بنيات هي :مكان الانطلاق، مكان العبور، مكان الوصول. لتتوصل الباحثة إلى أن عنصر المكان حظي في المشروع الروائي للفلاني باهتمام كبير تجاوز الأبعاد الهندسية، إلى دلالات ومعاني رمزية خاصة، وانتظامه في المتون قيد الدرس وفق رؤية خطية عمودية تلتقي عند الهدف الوجودي والقيم التربوية، كما شكل ترجمة مباشرة للأبعاد الاجتماعية والثقافية والنفسية للمجتمع النيجيري، وإبرازا لغنى وجمالية هذه البيئة المتوارية خلف الصورة السردية.

أما الجلسة الثانية فقد سيرت أعمالها الدكتورة أسماء الريسوني، وقد جاءت بعنوان “إفريقيا في السرد الرحلي”، قدمت المداخلة الأولى الدكتورة جميلة رزقي، وعنونتها ب “التواصل الثقافي بين المغرب والسودان ــ إبراهيم بن يعقوب وأحمد بابا التمبوكتي أنموذجين، وتناولت فيها العلاقة الثقافية بين المغرب والسودان من خلال هاتين الشخصيتين الثقافيتين. وخصصت الورقة، اختصارا، للشاعر إبراهيم الكانمي، مؤكدة على قيمة مشاركته في الحركة الأدبية في مدينة مراكش أيام الموحدين، لما يتميز به شعره من جودة وغزارة في الإنتاج ومحصول لغوي كبير، استطاع من خلال ذلك منافسة الشعراء المغاربة الكبار. وأثنت في نهاية مداخلتها على الدور الطلائعي الذي لعبه ويلعبه المغرب بوصفه مركزا للإشعاع الثقافي يرسل أنواره مشرقة وضاءة على مناطق شاسعة من القارة السمراء، ويساهم بكفاءاته العلمية وطاقاته الفكرية في مسيرة العرفان بهذه المناطق.

قرأ الأستاذ بوشعيب الساوري النص الرّحلي لؤلؤة واحدة وألف تل: رحلات بلاد أعالي النيل للكاتب العراقي باسم فرات، الذي دوّن فيه وقائع رحلته إلى رواندا وأوغندا، انطلاقاً من مدخلين؛ الأول هو المقاربة ما بعد الكولونيالية، بحكم أنها تُعالج آثار الاستعمار على الثقافات والمجتمعات والتعبير عن إحساس متزايد بتحقيق اللاّمركزية في أوروبا وأمريكا الشمالية والعولمة والأشكال المعاصرة الأخرى للإمبراطورية من خلال تمثيلات السفر. وتستكشف التغيرات الاجتماعية والسياسية في فترة ما بعد الاستعمار. وركّز على مسعى باسم فرات لتفكيك المركز وتبئير الهامش. والمدخل الثاني هو النقد البيئي الذي يدرس العلاقة بين الأدب والبيئة المادية، وتمثيل الطبيعة في الأدب، والكشف عن العواقب التي تترتّب على مركزية الإنسان، وأبرز فيه تأثير الوعي البيئي عند الكاتب في تحديد مسار الرحلة ووجهاتها، وفي نظرته إلى الطبيعة وكشْفه عمّا يقترفه الإنسان في حقّها، والأخطار المحدقة بها من جراء الممارسات الإنسانية الأنانية.

وعنونت الباحثة نورة أخرو ورقتها ب “السرد الرحلي الإفريقي العربي: من محكي السفر إلى تقويض مركزية العنف الاستعماري، أسفار استوائية رحلات في قارة إفريقيا لعثمان أحمد حسن نموذجا”، وأكدت فيها على أن تحليل سردية الرحلة الإفريقية العربية ومكوناتها عبر كشف أنساقها المضمرة بهدف المقارنة بين طبيعة المتخيل الذي يحكيه السارد الجوال وهو يستكشف الفضاء والإنسان وأنماط العيش التي تميز القارة الإفريقية، وذلك عبر مقارنة بين هذا النمط من التصوير والعنف الاستعماري الذي غالبا ما اتصفت به الرحلات الأوربية إلى الجنوب. ولعل النظر إلى هويات الجنوب المتعددة من زاوية محكي السفر العربي إلى إفريقيا من شأنه أن يقود إلى بناء تصور نقدي للخطاب الرحلي وصوغه الفني، سواء عبر المذكرات اليومية أم المشاهدات المدونة بوصفهما مكونين رئيسيين في جنس الرحلة انطلاقا من التفاعل القائم بين ثنائية “الأنا والآخر” وفضاءات الرحلة.

واختتمت الجلسة الأولى بمداخلة الباحثة نجيمة جدراوي الموسومة بعنوان “صورة إفريقيا في السرد الرحلي، جولة في ربوع إفريقية، لمحمد ثابت أنموذجا، منطلقة من إشكال يتمحور حول أهم المظاهر الحضارية الإفريقية التي صورها السارد في رحلته، ومدى إسهام هذه الرحلة في تقديم المعطى المعرفي حول إفريقيا؟وقد أجابت عن هذا الإشكال من خلال محورين؛ خصصت المحور الأول للتعريف بالرحالة، وتقديم موجز حول رحلته “جولة في ربوع إفريقية”، والمحور الثاني لتحديد صورة إفريقيا في رحلة محمد ثابت وأهم المظاهر الحضارية الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي طبعتها، لتتوصل إلى كون الكتابات الرحلية حول إفريقيا، سواء القديمة منها أو الحديثة، تعد من ضمن أهم المصادر التاريخية التي تمثل ذلك الإطار المرجعي البالغ الأهمية، وتزخر هذه الكتابات بكم معرفي زاخر يسعف الباحث في تشكيل صورته حول إفريقيا وتاريخها، وفي التعرف على معالم مناطق إفريقيا الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

اليوم الثاني

وتعلق محور الجلسة الأولى من اليوم الثاني بـ ” الشعر الإفريقي: البلاغة والوسيط اللغوي” والتي ترأس إدارتها الدكتور يوسف، واستهلها بإضاءات مقتضبة حول الشعر الإفريقي بشكل عام، وارتباط مسار تحولاته بمسار تحولات الشعر العربي في المشرق والمغرب، داعيا الباحثين والنقاد إلى الانفتاح على هذه المدونة الأدبية الغنية، من أجل التعريف بها، والكشف على ما تقوم عليه من خصائص فنية على مستوى الشكل والمضمون، ليعرف بعد ذلك بالمتدخلين في هذه الجلسة وهم على التوالي: الأستاذة خديجة صوو من السنغال، والطالب الباحث ” الشيخ بدر مودو جوب، من السنغال”، ثم الأستاذ الخليل اخنيبيلة من موريتانيا.

قدم الأستاذ علاء الدين الطماوي قراءة في مداخلة الأستاذة خديجة صوو، التي تعذر عليها الحضور، وقد عنونت المداخلة ب “الشعر العربي السنغالي بين التقليد والتجديد”، حيث ركزت على شعر المديح النبوي، كعينة لاستكناه ملامح هذه المقارنة، معتمدة بوردة البوصيري أساسا لتحديد مؤشرات التجديد، فالعدول على نمط قصيدة البوصيري يدفع الباحثة إلى إدراج صاحبها ضمن الشعراء المجددين، وفي المقابل تضمين كل شاعر سنغالي حاول إحياء وبعث قصيدة البردة، بالنسج على منوالها شكلا ومضمونا، في خانة الشعراء المقلدين، وقد تأتى لها عقد هذه المقارنة باعتماد تصميم منهجي مكون من مقدمة، ثم توطئة عرفت فيها بمصطلحي المديح والنبوي، ثم محور أول يحمل اسم ” الشعراء التقليديون”، وهم على التوالي: الشاعر أحمد بمباركي، والشاعر الحاج مالك سي، ثم الشاعر ماجور سيس الكبير، وأخيرا الشاعر إبراهيم انياسالكولخي، أما المحور الثاني فعنونته ب ” الشعراء المجددون” وقد تضمنت هذه القائمة ثلاثة شعراء، أولهم الشاعر شيخ تيجان سي التيواوني، وثانيهم الشاعر شيخ تيجان سي، وأخيرا الشاعر أحمد جي الكولخي، لتنهي المداخلة بتركيب يتضمن أهم النتائج المتوصل إليها.

انتقل الكلام على لسان رئيس الجلسة من المداخلة الأولى إلى مداخلة ثانية قدمها المشارك “الشيخ بدر مودو جوب”، وهو طالب باحث بسلك الدكتوراه التابعة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وتحمل عنوان ” التخييل في الأدب السينغالي”، وقد قسم المشارك مداخلته، بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة، إلى أربعة محاور، محور أول نظري استدعى فيه كل ما يخدم مصطلح التخييل بالتركيز على المدونة النقدية العربية القديمة، ثم محور ثاني عمومه بالمدخل إلى الأدب السنغالي، مبرزا أهم القضايا التي يطرحا هذا الأدب ويخوض فيها، ثم محور ثالث عرف فيه بأبرز المدارس الأدبية التي نشأت في البيئة السنغالية، وفي المحور الأخير حاول أن يبحث في مظاهر التخييل في الشعر العربي السنغالي، منتقيا قصائد بعينها، خرجت عن إطار المنظومات إلى القصائد الشعرية التي تعتمد التخييل عبر آلية التصوير، ثم خاتمة خصها لتركيب أهم وظائف الشعر السنغالي.

وبموازاة ذلك، تحول الكلام من الحديث عن الشعر السنغالي، إلى التعريف بالشعر الموريتاني، عبر مداخلة تقدم بها الأستاذ الخليل اخنيبيلة، وهو موريتاني الجنسية، ويتابع دراسته بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل، عنوانها ” الشعر الموريتاني: عوامل ظهوره وتطور مدارسه وخصائصه”، وقد تمخض عن هذا العنوان تصميم منهجي من مقدمة ومحور أول بعنوان ” عوامل ظهور الشعر بموريتانيا” حيث أرجأ ظهور هذا الجنس الأدبي إلى عوامل متعددة منها العامل الديني، وعامل البيئة، ثم الحروب القبلية، في حين خصّ المحور الثاني للتعريف بمدارس الشعر الموريتاني، مستحضرا مدرسة البلاغة والبديع، وكذا مدرسة أنصار القديم، ثم أخيرا مدارس مستقلة لكن يجمع بينها هاجس التعريف بالهوية الموريتانية، ولأن المداخلة استحضرت مصطلح الخصائص، فإن الباحث انبرى إلى استجلاء بعض الخصائص الفنية لهذا الشعر بدء بالأغراض المهيمنة، ومرورا بالتصوير الشعري، وبين هذا وذاك حديث عن بناء القصيدة الموريتانية التي لم تخرج عن قالب القصيدة العربية الجاهلية، ليغلق في الأخير باب مداخلته بخاتمة ركب فيها النتائج المتوصل إليها في العرض.

وكانت الجلسة الثانية من تسيير الدكتورة سعاد مسكين منسقة ماستر تحليل الخطاب وتدريسية المعارف الأدبية، وقد عرفت الجلسة موضوعات متنوعة تصب في موضوع الجلسة “تجليات الأدب الصوفي في إفريقيا”، فكانت المداخلة الأولى للدكتور محمد المختار جي من الجامعة الإسلامية بمنيسوتا، الولايات المتحدة الأمريكية، فرع السنغال، وعنون ورقته البحثية ب “الشعر العربي الإفريقي الصوفي في مواجهة الاستعمار والدفاع عن الهوية، نموذج السنغال، تطرق فيها إلى الأدب الصوفي المكتوب باللغة العربية باعتباره من أنواع الأدب بإفريقيا جنوب الصحراء وخاصة بلد السنغال، مبينا دور الطرق الصوفية في نشر الثقافة الإسلامية واللغة العربية ومواجهة الاستعمار، وكان من الشعر والأدب عامة أبرز الوسائل الفنية لتحقيق ذلك. وقد ذكر الباحث نماذج من الشعراء الذين خلفوا أعمالا شعرية ساهمت في مقاومة الاستعمار، ذكر منهم عمر الفوتي تال، والشيخين إبراهيم نياس وأحمد بامبا، وقد توخى الباحث من خلال ورقته التعريف بالأدب الصوفي وأهم رواده الذين كانت كتاباتهم تصب في موضوع المقاومة الفكرية والثقافية والدفاع عن الهوية الإفريقية التي سعى الاستعمار إلى طمس معالمها.

ثم أعطيت الكلمة لمداخلة الدكتور عبد الرحمان فادقا، من جامعة الجنرال لانسانا كونتي سونفونيا كوناكري، غينيا، وعنونت مداخلته بالمقدس الديني في الشعر الإفريقي المكتوب باللغة العربية بالغرب الافريقي، دراسة وصفية تحليلية، انطلق من خلالها إلى دراسة النتاج الشعري الإفريقي ما بين القرن السابع عشر الى القرن التاسع عشر، ركز فيه على المقدس الديني في الشعر الإفريقي المكتوب باللغة العربية، مبينا مفهومه من خلال وصف الرموز والشخصيات المقدسة الدينية، ومن ثم شعر التصوف مع أنماطه المختلفة لدى شعراء الأفارقة. وقد تحدث الباحث عن انتاجات الشعراء الأفارقة في المنطقة الغربية وقصائدهم الشعرية ذات الأبعاد الدينية التي وظفوا فيها القوالب اللغوية الراقية، والألفاظ الجزلة في دواوينهم الشعرية. ولم يغفل الباحث تأثر هؤلاء الشعراء بالدين الإسلامي ونشره واتباعهم شعراء العرب، حاصة شعراء العصر الإسلامي، ولم تغفل إنتاجاتهم عن الجانب الأسلوبي والبلاغي الذي أعطى جمالية فنية للشعر الافريقي إلى جانب اللغة البسيطة.

وفي مداخلة أخرى تناولت الدكتورة الريسوني أسماء من جامعة عبد المالك السعدي تطوان المديح النبوي في الشعر السنغالي، دراسة في البنيات والرؤى، حيث التقت الباحثة مع جل المداخلات حول الشعر الصوفي، فجاء المحور الأول حول بنية القصيدة المدحية ودلالتها المتمثلة في التعبير عن حب الرسول صل الله عليه وسلم، ثم محور ثاني عالجت فيه الباحثة تجليات الهوية في القصيدة المدحية من خلال نماذج شعرية من الشعر السنغالي، وأشارت الدكتورة أسماء الريسوني إلى انطلاقها من تصور مختلف لبنية القصيدة المدحية السنغالية، وأشارت إلى خصوصية شعر المدح الذي قيل بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، واختلافه عن التسمية التي اعتادت العرب إطلاقها على هذا النوع من الشعر “الرثاء”، كما أن القصيدة المدحية للسول عليه الصلاة والسلام حظيت باهتمام كبير في الثقافة الإسلامية خلافا لغيرها من القصائد لما لامسته من وجدان الشعوب الإسلامية وثقافتها الدينية، فانكبوا عل قراءتها وحفظها، واندفع شعراء كثر إلى النظم على منوالها، وقد أشارت إلى بداية هذا النوع من الشعر في البلدان الإفريقية مع الشاعر المالي في القرن الرابع عشر مع الشاعر إبراهيم الساحلي.

فعرفت المداخلة الرابعة التي ألقاها الأستاذ الباحث رشيد قدوري نيابة عن الدكتورة عائشة محمد أحمد من جامعة أنجمينا وهيك، التشاد، الحديث عن الطرق الصوفية وأثرها في تطوير الشعر العربي في تشاد، تطرقت فيها إلى جانبين مهمين هما: دور الطرق الصوفية في نشر الإسلام والثقافة العربية في تشاد، ثم مساهمة الطرق الصوفية في ظهور الشعر العربي في تشاد وأثرها على تطويره، وأبرز العوامل التي أسهمت في ظهور الطرق الصوفية بتشاد لخصتها الباحثة في العامل الأول وهو الإسلام وانتشار الممالك الإسلامية؛ كمملكة كانم ومملكة باغرمي ووادي، وكان العامل الثاني هو انتشار القوافل التجارية ورحلات الحجاج إلى بيت الله الحرا. أما الطرق الصوفية التي أثرت في تطور الشعر العربي بتشاد فذكرت الباحثة الطريقة القادرية والسنوسية ثم الطريقة التيجانية التي اعتبرت أكثر الطرق شيوعا وإلهاما للمشاييخ والعلماء في نظم القصائد الشعرية الصوفية.

واختتمت الجلسة بورقة الدكتور تياروي غاي من كلية الدعوة الإسلامية، فرع السنغال، والتي كان موضوعها الخطاب الشعري الصوفي في الأدب العربي السينغالي من خلال مقاربة المصادر والأبعاد الموضوعاتية، ومن أبرز نقاط الورقة سعي الباحث إلى التعريف بالأدب الإفريقي عامة، والشعر الصوفي السنغالي خاصة، وانتهج الباحث المقاربة الميدانية لنصوص منتقاة من دواوين وقصائد الشعراء، فجاءت مقدمته لتعرف بعوامل انتشار الأدب واللغة العربية في السنغال، كما تناول الباحث العلاقة بين التجربة الشعرية والتجربة الصوفية باعتبارهما تجربتان متلاحمتان ومتكاملتان، مشيرا إلى استفادة الشعر الصوفي من التجارب الشعرية السابقة حتى أضحى من أقوى الاتجاهات الشعرية في القرن السابع الهجري وما بعده، خاصة في الشعر العربي السنغالي الراهن، كما عرف الباحث بمصادر الشعر الصوفي وموضوعاته وما يميزه من بناء أسلوبي.

وقد لقيت المداخلات تفاعلا وفضولا معرفيا من قبل الحاضرين والحاضرات الذين أغنوا النقاش بمداخلاتهم وإضافاتهم وأسئلتهم المعرفية، كما التقت جل الرؤى في ضرورة الانفتاح على الأدب الإفريقي عامة، وإيلائه مزيدا من الاهتمام والدراسة.