طالعت قبل أيام تقريرا مطولا في جريدة عريقة يعدد هفوات المؤمنين السذج بنظرية المؤامرة، و لإعجابي بالمقال يمكنني بدوري إيراد الملاحظات التالية :
ابتداء أستطيع أن أؤكد أنه ليس هناك شيء اسمه نظرية مؤامرة، لأن هناك أشياء حقيقية على الميدان و لم تعد مجرد نظريات، و أيضا لأن هناك مؤامرات عدة و ليست مؤامرة واحدة.
يتبدى لي أنه من غير المعقول (مع أن المنكرين على أنصار فكر المؤامرة يرون أنفسهم غاية في العقلانية و الواقعية) أن تقنعني منطقيا في الألفية الجديدة، و بعد زهاء قرن ونيف على بداية انفجار تقني و علمي و معلوماتي غير مسبوق، ألا يحتمل أنه قد صيغت خطط لتسيير البشر و لإخضاعهم، و لتوجيه العالم باتجاه مضبوط، في عصر الذكاء الاصطناعي، عصر تضاجع فيه دمية نسخة طبق الأصل من شاكيرا، تتمنى لك ليلة سعيدة بعد و قبل العملية و تصفك بشوازينغر أثناءها، دون أن تخشىى أن تؤذيك برائحة أمعائها ليلا كما تفعل – على الأرجح- شاكيرا نفسها، و أداء بيكيه على الملعب هذه الأيام خير دليل.
عصر مرت معه حتى الآن ستون سنة على وصولنا للفضاء ، و استنساخ الحيوانات، و التحكم بصفات النبات و تركيباتها و استنساخ فواكه و خضراوات، و كذا حيوانات هجينة و سلالات مستجدة و التجارب للتدخل في المادة الوراثية للبشر جارية فكيف بالفيروسات و العضويات الأخرى.
ألم يتم استخدام الحاسوب بعد اختراعه لسنوات عدة خفية من أجل أغراض تجسسية عسكرية قبل أن يقدموه لنا، و نغرم من خلاله بشاكيرا!
نعلم أن لغز تفشي كوفيد لم يتم حله بعد، و ها نحن ذا نواجه فيروسا جديدا كان لوقت قريب موجودا و وديعا، فما الذي دهاه ليصبح فجأة بهذه الشراسة، و لماذا يتم ككل مرة التركيز على تهويل الأمر و الضغط لتلقي اللقاحات باستعجال، و كيف لا يتم التركيز بنفس الشكل على التحذير من مخاطر التبغ و المواد المعلبة و الكحول و الإنبعاثات التي تنفثها المصانع، و الأخطار الجانبية للعديد من العقارات و الأدوية التي نستهلكها و لا تجعلنا سوى زبناء مداومين عليها… لا يمكننا طبعا المقامرة بتكذيب كل شيء و زرع الشك الذي قد يتحول إلى هوس، لكن بالمقابل لا يمكن بحال المقامرة بكل شيء و إسلام رقابنا لكل شيء و كل أحد..
من غير المعقول يا صاح بعد كل هذا أن تقنعني أننا خيرون جدا، و سذج جدا، حتى لا تلوح فكرة تنميط الإنسان و تسليعه و قولبته، مع صعوبة الأمر و إمكانيته الكبيرتين، على أحد هؤلاء القابعين في المختبرات تحت الأرضية، أو في قاعات الإجتماعات المغلقة في أقاصي آسيا.
ثم إن الإنسان الروماني بسيفه الصدئ و درعه الخشبي كما العربي قبله و الإسكندر المقدوني و جنده و المغول، حاولوا جميعا إخضاع الدنيا بالحديد و الدم و أن يسيطروا و أن يسودوا البقاع مع ما كلفته تلك المجازر الضارية من رؤوس و أشلاء و محن و عذابات.
فكيف لا و الأمر صار أهون بكثير لا يكلف غير تكتيكات إعلامية، و بروباغندا مدروسة بدقة علمية متناهية، و مؤسسة على تحليلات علمية وثيقة لطريقة تصرفنا، و قدرة كبيرة مجربة على استباق تفكيرنا، مع تحقيق عائدات مادية ضخمة من هذه الثقافة الإستهلاكية الواحدة، و لإشباع هذه الرغبة الإنسانية النهمة الغريبة في اقتراف اللامعقول.
ينبغي لكل مطالع منصف لصفحات التاريخ الطويل أن يدرك أنه نفس الصراع الحضاري/غير الحضاري التقليدي العتيق لإخضاع العالم بوسائل و صيغ غير تقليدية بالمرة، معظمها لا يكاد يخطر على البال و لا تسعنا المغامرة بالسعي وراء الخبز اليومي دون أخذ ما يكفي من وعي و ترو في ما يقدم عليه الإنسان من سلوكات و اعتيادات و اعتقادات.