جريدة الأنباء و الفنون

أين هي الكلمة…؟!                                 

فاطمة موسى

يتعود الإنسان مع مرور الوقت على الكثير من المطبات الحياتية، قد يتعود على تصرفات خبيثة لأحد أقربائه، أو رسوبه المتكرر في مادة ما، أو قد يتعود على رفض طلبات العمل التي يقدم لها… وقد يكون ذلك من الطبيعي؛ إذ يكتسب الإنسان مناعة ضد الأشياء المتكررة ويتعود عليها، فتصبح من البديهيات في حياته اليومية الخاصة.

لكن، أن يتعود الإنسان على الذل والمهانة وسلبه لحقوقه!

أن يتعود على سياسة “الإستحمار” التي تمارس عليه!

أن يتعود على الصمت والتكتم والرضا بكل ما يملى عليه دون أدنى اعتراض!

فذلك ليس من الطبيعي ولا العادي، بل ويحتاج منا وقفة تأمل طويلة لما آلت إليه أوضاع البشر حتى أصبحو على هذا الحال غير مبالين بكل ماقد يحل بهم، ولا يأهبون بشيء.

لا طالما شجع السابقون منا على قول الكلمة والدفاع عن الحق، ويالها من تلك القصص التاريخية العظيمة المأثورة الخالدة في الذاكرة؛ بدءً من خير البرية (صلى الله عليه وسلم)، مرورا بعمر بن الخطاب وعمر المختار، نلسون مانديلا… وغيرهم الكثير.

نقرأ لبعض المؤلفين فنجد “محمد شكري” يقول: ” قل كلمتك قبل أن تموت، فإنها ستعرف حتما طريقها. لا يهم ما ستؤول إليه؛ الأهم هو أن تشعل عاطفة أو حزنًا أو نزوة غافية… أن تشعل لهيبا في المناطق اليباب الموات”.

نقرأ لكارل ماركس فنجده يدعو دائما الطبقة البروليتارية إلى الثورة على الطبقة البورجوازية للدفاع عن مصالحها وانتزاع حقوقها المسلوبة، وأن حوافز التغير الاجتماعي تتمثل في المقام الأول في المؤثرات الاقتصادية والصراع بين الطبقات؛ ومنذ القدم: السيد والعبد، الإقطاعي والفلاح، البورجوازي وعامل المصنع.

لكن نحن ماذا نفعل؟ “نبلبل” لأيام معدودات فتنسينا إحدى التفاهات قضيتنا الأساس، أو بالأحرى نتجنب الحديث ونتناساه تجنبا ل “حريق الراس”،

تغتصب النساء و – الأطفال- وتعنفن وتعذبن ولا كلمة قيلت استمرت لأسبوع.

مئات المتسولين على الشوارع والطرقات، فما عدنا نفرق بين الصادق والكاذب، ولا عدنا نتصدق لهذا ولا ذاك “وخرجنا من باب واسعة “.

مئات المرضى المعوزون يُنحرون بالعرض البطيء أمام أبواب المستشفيات.

وقد يكون الهيكل العظمي لبعضهم لازال ينتظر موعد الفحص بالأشعة السينية، في انتظارٍ لموعد إجراء العملية.

ترتفع الأسعار ارتفاعًا صاروخيا بين عشية وضحاها ويستمر الإرتفاع لأشهر ولا كلمة تقال، ولا تلك الكلمة التي قيلت وصلت.

نكتفي بنشر وسوم نطالب فيها بوقف هذا ورحيل ذاك لبضع أيام، ولأن لا مجيب يذكر؛ نقضي ماتبقى من الأيام نشتكي لبعضنا البعض أو ل”مول الحانوت” وكأنه أفضل حال منا، نستفسر عن الحال التي وصل إليها كل منتوج قد يكون للتو اشتريناه بالأمس متفاجئين بسعره الحالي، فسرعان ما يباغثك “البقال” هو الآخر بالتعقيب على رد فعلك ذاك قائلا: “هادشي للي عطا الله الجار/ة؛ السلعة كاملة تزادت”

فنرد عليه بكل سذاجة : ” ياربي السلامة، ماعرفنا هاد الناس فين غاديين بهاد الزيادة كاملة…”

إلى أين سيذهبون مثلا ؟ إلى المكان الذي يحلو لهم أن يتجهوا صوبه، مادام الصمت لغتنا.

هكذا، تكبر فجوة التساؤلات دون إجابات، يكبر اللاوعي والطمس الفكري فتتقوقع العقول وتتقلص سعة الآمال والطموحات في تحقيق غد أفضل، وتنحسر الحياة في تمضية الأيام منتظرين فقط ليومنا العظيم الذي كلما تذكرناه؛ دعونا على أنفسنا بالرحمة والغفران.