أثر جهود القطاع الخاص بالمغرب في دعم المبادرات الإنسانية للمرأة (زلزال الحوز)
الدكتورة نعيمة بوعيش
١/ القطاع الخاص بالمغرب والمسؤولية الاجتماعية
يتميــز القطــاع الخــاص فــي المغــرب بالتنــوع فــي أحجــام وأنــواع المقــاولات، حيث تتواجــد كل مــن الشــركات متعــددة الجنســيات، الشــركات الوطنيــة الكبــرى، الشــركات المتوســطة، الصغــرى والصغيــرة جــداً فـي وسـط مشـترك، بـأداء اقتصـادي واجتماعـي مختلــف، وظــروف تشــغيل غيــر متشــابهة، حســب نتائــج دراسـة اسـتقصائية وطنيـة لـدى الشـركات، أجريـت مـن قبـل المندوبيــة الســامية للتخطيــط.
تتطلب التنمية الترابية المحلية الشاملة تفعيل تقنيات المسؤولية الاجتماعية وتظافر جهود الدولة والرأسمال الخاص لبناء مستقبل أفضل للأجيال الحالية والقادمة، من خلال إيجاد ودعم برامج اجتماعية واقتصادية وثقافية مستدامة تستجيب لتطلعات وأولويات المجتمع مما يقتضي الاستثمار في الرأسمال البشري والطبيعي وتأهيلهما.
أصبحت المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص في السنوات الأخيرة تحضى باهتمام بالغ من لدن كافة الأطراف المسؤولة والمعنية بقضايا التنمية، لمكانتها الكبيرة ضمن المشاريع الترابية التنموية التي تتوخى تحسين وملاءمة إطار عيش المجتمع والارتقاء به، وفي الوقت ذاته لما لها من ايجابيات على المقاولة نفسها، فيمكن لأي مقاولة أن تعزز تنافسيتها وجاذبيتها وأن تكرس حسن سمعتها وصورتها في المجتمع، من خلال اضطلاعها بالأدوار الاجتماعية والمجتمعية وتفاعلها مع تطلعات وانشغالات المجتمع.
فمساهمة القطاع الخاص والمسؤولية الاجتماعية للشركات تجاه المجتمع بكل فعالياته، تعد من بين توصيات النموذج التنموي الذي شُرع في تنفيذه لبلوغ مغرب تنموي رائد بحلول 2035.لكن مفهوم “الشركة المواطِنَة” الذي كثر الحديث عنه اليوم ينبغي أن يتكرس في النسيج الاقتصادي المغربي، لكي لا يكون مجرد شعارا مناسباتيا أو دعوات موسمية.
٢/ أثر جهود القطاع الخاص بشراكة مع الحكومة والمنظمات النسائية في دعم المبادرات الانسانية للمرأة ( زلزال الحوز).
في الحروب والكوارث، تكون الفئات الأكثر هشاشة هي الأكثر تضررا، خصوصا الأطفال والنساء. وهذا ما ينطبق على ما اصطُلح عليه إعلاميا بزلزال الحوز.
فاجعة “زلزال الحوز” أعادت تسليط الضوء وبكثافة على ضرورة إسهام القطاع الخاص وشركاته الكبرى، إلى جانب جهود الدولة، في تنمية المناطق المتضررة والمنكوبة من أعنف زلزال تشهده المملكة منذ أزيد من قرن.
محللون وفاعلون مدنيون سجلوا أن جهود القطاع الخاص يجب أن لا تقتصرَ على “منطق ربحي صِرف” أو مساهمات مالية “مناسباتية”، معتبرين أن زلزال الحوز فاجعة تقرع جرس الإنذار بخصوص “تباين الفوارق المجالية” وأيضا دور القطاع الخاص في ردم الهوة عبر الإسهام الفعلي في جهود التنمية الترابية أيضا.
كيف هي تمثيلية جهود المرأة في القطاع الخاص؟
المقاولة النسائية:
يعد تشجيع المقاولة النسائية والرفع من نسبة ولوجها لبرامج الدعم التي توفرها الدولة في بنيات الإنتاج والتسويق، من أهم المحاور التي تعمل الحكومة على تفعيلها وتطويرها، وقد أبانت نتائج البحث الوطني حول المقاولات الذي أنجز سنة 2019 أن النساء يسيرن %8.12 من مجموع المقاولات، ويعتبر حضورهن أكبر في تسيير المقاولات الحديثة.
وقد تم إطلاق العديد من البرامج التي تهدف إلى الرفع من المساهمة والمشاركة الاقتصادية للمرأة وتشجيع إحداث مقاولات نسائية وتمكين المرأة من أجل الوصول إلى القيادة المقاولاتية وتدعيم مكانتها داخل الأجهزة التدبيرية للمقاولات، نذكر منها:
نظام المقاول الذاتي، حيث بلغ عدد المقاولين الذاتيين، منذ إطلاق النظام سنة 2015م،100000 مقاولا ذاتيا مثلت النساء %36؛
بلغت نسبة خلق المقاولات النسائية، حسب مقياس خلق المقاولات للمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، إلى حدود نونبر2019،ما يناهز %15٫77 في قطاع الصناعة، و%15٫15 في قطاع التجارة، و%16٫39 في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصال؛
برنامج التمكين الاقتصادي والريادة
ينسجم برنامج التمكين الاقتصادي والريادة مع المقتضيات الدستورية والالتزامات الحكومية وأهداف التنمية المستدامة ومختلف الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، ويروم هذا البرنامج تعزيز الإطار المؤسساتي وتعزيز الفرص الاقتصادية لفائدة النساء. وقد تم بلورة البرنامج باعتماد مقاربة تشاركية شملت جميع الفاعلين والمتدخلين في المجال، من سلطات عمومية، مؤسسات وطنية، جماعات ترابية، قطاع خاص، جامعات، مجتمع مدني، وشركاء دوليين تقنيين وماليين.
تعمل الوزارة حاليا على تحيين البرنامج لملاءمته مع الالتزام الحكومي بالرفع من معدل نشاط النساء ، وملاءمته كذلك مع النموذج التنموي.
وقد تمت بلورة البرنامج وتحديد الاجراءات والمؤشرات بناء على سلسلة من المشاورات مع القطاعات والمؤسسات الوطنية. وتهم المرحلة الحالية وضع البرمجة الميزانياتية للبرنامج.
أشكال استجابة القطاع الخاص لأزمة زلزال الحوز
1- تبرعات مالية:
الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال: خصص هذا الحساب الذي تلقى مساهمات تطوعية تضامنية للقطاع الخاص والهيآت العمومية والمواطنين، بشكل أساسي لتحمل النفقات المتعلقة بالبرنامج الاستعجالي لإعادة تأهيل وتقديم الدعم لإعادة بناء المنازل المدمرة على مستوى المناطق المتضررة.
كما تحمل النفقات المتعلقة بالتكفل بالأشخاص في وضعية صعبة، خصوصا اليتامى و النساء والأشخاص في وضعية هشة. وأيضا النفقات المتعلقة بالتكفل الفوري بكافة الأشخاص بدون مأوى جراء الزلزال، لاسيما فيما يرتبط بالإيواء والتغذية وكافة الاحتياجات الأساسية.
2 – استثمار في مشاريع الإعمار للمناطق المتضررة
3- تقديم الخبرات: حيث قدمت العديد من الشركات خبراتها في المجالات الهندسية والبنية التحتية لدعم عمليات إعادة الإعمار، مما سيساهم في تسريع العمليات.
4 – خلق مشاريع مدرة للربح للمرأة القروية المتضررة: تراعي الاقتصاد الاجتماعي التضامني والإيكولوجي في بُعده السياحي، مع محاولة حفاظ هذه المشاريع التنموية لمواطنات تلك المناطق على حياة كريمة تُجنبهن الهجرة إلى الحواضر وإشكالية الاندماج الاقتصادي، فالمغرب قطع أشواطا كبيرة في تطبيق العدالة المجالية؛ لكن الأثر على الميدان لم يظهر بعد بشكل قوي خاصة بالمناطق المعزولة التي عانت من تداعيات الزلزال.
5 – شراكات استراتيجية مع الجمعيات:
يعد مثال الشراكة بين شركة مزارز المغرب وجمعية البركة نموذجا حيا على التعاون الناجح بين القطاع الخاص والمبادرات الانسانية للمرأة المغربية في زمن الأزمات، كما يعكس الأثر الإيجابي الذي يمكن أن تحدثه المبادرات المشتركة في بناء مجتمع أكثر مرونة وشمولا.
حيث أعلنت مجموعة مزارز المغرب عن تعزيز شراكتها الاستراتيجية مع جمعية البركة أنجل، استمرارا للجهود ومبادراتها الانسانية التي تبذلها بشكل دائم من أجل مساعدة السكان المتضررين من زلزال الحوز الذي عرفته المملكة بتاريخ 8 شتنبر 2023.
حيث منحت الشركة تبرعا قيمته 400.000 درهم، بهدف تمكين الجمعية من مواصلة مبادراتها الانسانية لصالح الضحايا.
اقتراحات استراتيجية
– إحداث هيئات مستقلة للتنسيق بين المشاريع المشتركة لأكثر من مقاولة في انجاز عمل مسؤول اتجاه المجتمع، ولتقييم جهود هذه المشاريع وإبراز أثرها وتوسيع نطاقاتها، وانجاز الدراسات على ضوء الاحتياجات الفعلية للمجتمع إضافة إلى رصد وتوثيق الممارسات والمبادرات الجيدة والإشادة بها، وإشهارها.
– مباشرة وسائل الإعلام لأدوارها التحسيسية والتوعوية بنشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية ومبادئها الصحيحة والمجالات المرتبطة بها، وقيمها المضافة على كل من المقاولة والمجتمع ومن ثم التراب ككل سواء في زمن الأزمات أو غيرها.
– تطوير مؤشرات وطنية للمسؤولية الاجتماعية قابلة للملاحظة والتقييم وابتكار أدوات قياس تتسم بالجدية والمسؤولية تتيح للمقاولات اختبار جدوى جهودها في تحمل المسؤولية الاجتماعية والمجتمعية، مما يعزز الاقتناع بإدراج المقاولات للمسؤولية الاجتماعية ضمن استراتيجياتها واعتبارها من مسؤوليات الإدارة التنفيذية.
القطاع الخاص بالمغرب بإمكانه أن يوفر استجابة مُرضية للحاجيات التنموية في المناطق النائية والتي لم تصلها بعد ثمار التوزيع العادل لفرص الاستثمار والتأهيل ،كما أن آثار الزلزال المدمر وبتضافر كل من جهود القطاع الخاص مع نظيره العمومي، تحتم استعجالية تنزيل عملي لعمليات إعادة الإعمار وتأهيل البنيات التحتية على المديين القريب والمتوسط، من أجل جني ثمار إقلاع اقتصادي للمنطقة المتضررة برمتها مع مراعاة خصوصية كل منطقة.
والتوجيهات الملكية التي أعقبت زلزال الحوز، خارطة طريق لكل الفاعلين الاقتصاديين؛ مما يجعل القطاع الخاص معنيا بشكل مباشر بهذه التوجيهات، وهو أمر يمكن أن يتم ليس فقط بالتمويل، بل هناك كفاءات وطاقات وخبرات مغربية خالصة يلزمهم المشاركة وبقوة في الديناميات التنموية.
فالطابع المواطناتي للمقاولة يتعين أن يهمين في تدبيرها لعلاقتها بمحيطها السوسيو اقتصادي بدون قانون أو تدابير مفروضة عليها، بل من منطلق حسها الوطني.كما ستمكنها شراكاتها المجتمعية المتنوعة من تعزيز التعاون بينها وبين المنظمات النسائية والحكومة لضمان تكامل المبادرات والاستفادة القصوى للنساء المتأثرات بالزلزال.